وَيخْرجُ
هَذَا التَّوْحِيدِ عَنِ السَّخَطِ عَلَى الخَلْقِ وَالالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ؛
فَإِنَّ مَنْ يَرَى الكُلَّ مِنَ اللهِ؛ كَيْفَ يَسْخَطُ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ
يُؤَمِّلُ سِوَاهُ؟! وَهَذا التَّوْحِيدُ مَقَامُ الصِّدِّيقِينَ.
وَلاَ
رَيْبَ أَنَّ تَوْحِيدَ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يُنْكِرْهُ المُشْرِكُونَ بَلْ
أَقَرُّوا بِأَنَّهُ - سُبْحَانَهُ - وَحْدَهُ خَالِقُهُمْ، وَخَالِقُ
السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ، وَالقَائِمُ بِمَصَالِحِ العَالَمِ كُلِّهِ وَإِنَّمَا
أَنْكَرُوا تَوْحِيدَ الإِلَهِيَّةِ والمحَبَّةِ، كَمَا قَدْ حَكَى اللهُ -
تَعَالَى - عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {وَمِنَ ٱلنَّاسِ
مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادٗا يُحِبُّونَهُمۡ كَحُبِّ ٱللَّهِۖ وَٱلَّذِينَ
ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبّٗا لِّلَّهِۗ}
[البقرة: 165] فَلَمَّا سَوَّوْا غَيْرَهُ بِهِ فِي هَذَا التَّوْحِيدِ كَانُوا
مُشْرِكِينَ؛ كَمَا قَالَ الله تعالى: {ٱلۡحَمۡدُ
لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَۖ
ثُمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ} [الأنعام: 1] أَيْ: يُسَوُّونَ غَيْرَهُ بِهِ، وَقال تعالى: {وَهُم
بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ}
[الأنعام: 150].
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«فَإِنَّ مَنْ يَرَى الكُلَّ مِنَ اللهِ؛
كَيْفَ يَسْخَطُ عَلَى غَيْرِهِ» هذا كما سبق أنك لا تسخط على الخلق بما لم
يعطك الله، ولا تمدحهم فيما أعطاك الله، هذا هو التوحيد.
قوله
رحمه الله:
«هَذا التَّوْحِيدُ مَقَامُ
الصِّدِّيقِينَ» توحيد الخاصة كما يقول الشيخ، وهو توحيد تفصيلي؛ لأن العلماء
يدركون ما لا يدركه العوام.
قوله
رحمه الله:
«وَلاَ رَيْبَ أَنَّ تَوْحِيدَ
الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يُنْكِرْهُ المُشْرِكُونَ» عرفنا أن التوحيد قسمان:
توحيد الربوبية: وهذا فطري في النفوس، لم ينكره أحد؛ لأنه فطري، حتى المشركون الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعترفون بتوحيد الربوبية،
الصفحة 1 / 309