×
إفَادَة الْمُسْتَفِيد فِي شَرْحِ تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ الْمُفِيد

 ثم أهل مقام: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ} لهم في أفضل العبادة وأنفعها وأحقها بالإيثار والتخصيص أربعة طرق، وهم في ذلك أربعة أصناف:

الصِّنْفُ الأَوَّلُ: عِنْدَهُمْ أَنْفَعُ العِبَادَاتِ وَأَفْضَلُهَا أَشَقُّهَا عَلَى النُّفُوسِ وَأَصْعَبُهَا، قَالُوا: لأَِنَّهُ أَبْعَدُ الأَشْيَاءِ مِنْ هَوَاهَا، وَهُوَ حقِيقَةُ التَّعَبُّدِ، وَالأَجْرُ عَلَى قَدْرِ المَشَقَّةِ، وَرَوَوْا حَدِيثًا لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ: «أَفْضَلُ الأَعْمَالِ أَحْمَزُهَا»، أَيْ: أَصْعَبُهَا وَأَشَقُّهَا.

وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَرْبَابُ المُجَاهَدَاتِ والجَوْرِ عَلَى النُّفُوسِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا تَسْتَقِيمُ النُّفُوسُ بِذَلِكَ؛ إِذْ طَبْعُهَا الكَسَلُ وَالمُهَاوَنَةُ وَالإِخْلاَدُ إِلَى الرَّاحَةِ، فلاَ تَسْتَقِيمُ النُّفُوسُ بِذَلِكَ إِلاَّ بِرُكُوبِ الأَهْوَالِ وَتَحَمُّلِ المَشَاقِّ.

الصِّنْفُ الثَّانِي: قَالُوا: أَفْضَلُ العِبَادَاتِ وَأَنْفَعُهَا التَّجَرُّدُ وَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّقَلُّلُ مِنْهَا غَايَةَ الإِمْكَانِ، وَاطِّرَاحُ الاهْتِمَامِ بِهَا، وَعَدَمُ الاكْترَاثِ لِمَا هُوَ مِنْهَا.

ثُمَّ هَؤُلاَءِ قِسْمَانِ:

فَعَوَامُّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا غَايَةٌ، فَشَمَّرُوا إِلَيْهِ، وَعَمِلُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا: هُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَرَجَةِ العِلْمِ وَالعِبَادَةِ، وَرَأَوا الزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا غَايَةَ كُلِّ عِبَادَةٍ وَرَأْسَهَا.

وَخَوَاصُّهُمْ رَأَوْا هَذَا مَقْصُودًا لِغَيْرِهِ، وَأَنَّ المَقْصُودَ بِهِ عُكُوفُ القَلْبِ عَلَى اللهِ - تَعَالى - وَالاسْتِغْرَاقُ فِي مَحَبَّتِهِ، وَالإِنَابَةُ إِلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَالاشْتِغَالُ بِمَرْضَاتِهِ، فَرَأَوْا أَفْضَلَ العِبَادَاتِ دَوَامَ ذِكْرِهِ بِالقَلْبِ وَاللِّسَانِ.


الشرح