فَإِنَّ التَّوْحِيدَ حَقِيقَتُهُ: أَنْ تَرَى
الأُمُورَ كُلَّهَا مِنَ اللهِ - تَعَالَى - رُؤْيَةً تَقْطَعُ الْتِفَاتَكَ عَن
الأَسْبَابِ والوَسَائِطِ؛ فَلاَ تَرَى الخَيْرَ وَالشَّرَّ إِلاَّ مِنْهُ
تَعَالَى.
وَهَذَا
المَقَامُ يُثْمِرُ التَّوَكُّلَ، وَترْكَ شِكَايَةِ الخَلْقِ، وَتَرْكَ
لَوْمِهِمْ، وَالرِّضَا عَنِ اللهِ - تَعَالى - والتَّسْلِيمَ لِحُكْمِهِ.
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«فَإِنَّ التَّوْحِيدَ حَقِيقَتُهُ: أَنْ
تَرَى الأُمُورَ كُلَّهَا مِنَ اللهِ تَعَالَى» وهذا توحيد الربوبية: أن ترى
كل ما يجري من الله -سبحانه- وبقضائه وقدره؛ فكل ما في السموات والأرض من المخلوقات،
من صنع الله عز وجل وإيجاده وتدبيره، ولم يشاركه في ذلك أحد؛ ولهذا تحدى الله
المشركين الذين يعبدون آلهة غير الله، أن يثبتوا أن هذه الآلهة خلقت شيئًا، أو
ملكت شيئًا في السماء والأرض؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: {قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ
تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ
لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ}
[فاطر: 40] تحداهم، وهم ما أجابوا وقالوا: خلقوا كذا وكذا، مثلاً: خلقوا السماوات،
أو بعضها، أو النجوم...، أو كذا، ما أجابوا؛ فدل على أن كل هذه المخلوقات من الله
سبحانه وتعالى.
{أَرُونِي
مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ} من البحار والجبال
والمحيطات والأشجار والأحجار، هذه الآلهة أين خلقها؟
ما أجابوا عن شيء من ذلك، ولا ادعوا أن الصنم الفلاني أو أن الولي الفلاني، أو حتى الملائكة، أو حتى الأنبياء والأولياء أنهم خلقوا شيئًا من هذه المخلوقات؛ فالله عز وجل أقام البرهان على وحدانيته في هذا.
الصفحة 1 / 309