وأما
الأسباب فإن أريد بها الأسباب التي يتخذها المشركون ويقولون: {هَٰٓؤُلَآءِ
شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ}
[يونس: 18]؛ أي: وسائط وأسباب تشفع لنا عند الله؛ فهذا باطل، أبطله الله سبحانه
وتعالى.
أما
الأسباب التي جعلها الله سبحانه وتعالى أسبابًا؛ كالحركة لطلب الرزق، وطلب العلم،
وجميع الأسباب التي يعلمها الناس يريدون من ورائها حصول مطالبهم المباحة؛ فهذه
حقيقة وأسباب موجودة، ولكن لا يعتمد عليها في تحصيل النتائج؛ بل نتوكل على الله،
فأنت تعمل الأسباب وتتوكل على الله سبحانه وتعالى في حصول النتائج.
أما
الوسائط التي تشارك الله، أو تشفع عنده، أو تتوسط عنده لحصول المطلوب؛ فهذه لا
حقيقة لها، وليست موجودة؛ فإن الله ليس بينه وبين خلقه وسائط يتوسطون عنده في أمور
عباده، أما الرسل -عليهم الصلاة والسلام - فهم وسائط في تبليغ الوحي.
فالواسطة
بين الله وبين خلقه إن أريد بها الرسل الذين يبلغون رسالات الله، فهذه موجودة، ومن
أنكرها كفر.
وأما
الوسائط التي تحصل المطالب من الله لمن يوسطهم، ويستشفع بهم، ويتوسل بهم؛ فهذه
باطلة، ومن أثبتها فهو كافر؛ ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «هناك واسطة بين الله وبين خلقه من أنكرها
كفر، وهناك واسطة بين الله وبين خلقه من أثبتها كفر»، وله رسالة في هذا، وهي «الواسطة بين الحق والخلق» على هذا
التفصيل.
قوله رحمه الله: «رُؤْيَةً تَقْطَعُ الْتِفَاتَكَ عن الأَسْبَابِ والوَسَائِطِ» أي: الأسباب والوسائط التي يتخذها المشركون على أنها تؤثر عند الله بحصول مطالب عباده، فهذه من أثبتها كفر؛ لأن الله ليس بينه وبين عباده وسائط من هذا النوع.