فَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الطَّوَائِفَ
وَعَرَفْتَ اشْتِدَادَ نَكِيرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ أَشْرَكَ
بِهِ - تَعَالَى - فِي الأَفْعَالِ وَالأَقْوَالِ وَالإِرَادَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ
ذِكْرُهُ؛ انْفَتَحَ لَكَ بَابُ الجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ.
فَنَقُولُ:
اعْلَمْ أَنَّ حَقِيقَةَ الشِّـرْكِ تَشْبِيهُ الخَالِقِ بِالمَخْلُوقِ،
وَتَشْبِيهُ المَخْلُوقِ بِالخَالِقِ.
أَمَّا
الأَْوَّلُ؛ فَإِنَّ المُشْرِكَ شَبَّهَ المَخْلُوقَ بِالخَالِقِ فِي خَصَائِصِ
الإِلَهِيَّةِ، وَهِيَ التَّفَرُّدُ بِمُلْكِ الضُّرِّ وَالنَّفْعِ وَالعَطَاءِ
وَالمَنْعِ، فَمَنْ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَخْلُوقٍ فَقَدْ شَبَّهَهُ بِالخَالِقِ -
تَعَالى - وَسَوَّى بَيْنَ التُّرَابِ وَرَبِّ الأَرْبَابِ؛ فَأَيُّ فُجُورٍ
وَذَنْبٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟
****
الشرح
ولهذا
يعترفون إذا دخلوا النار هم ومعبودهم: {إِنَّكُمۡ
وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَٰرِدُونَ} [الأنبياء: 98] فالذين
أمروهم بعبادتهم ورضوا بعبادتهم إياهم يدخلون معهم النار؛ قال تعالى: {لَوۡ
كَانَ هَٰٓؤُلَآءِ ءَالِهَةٗ مَّا وَرَدُوهَاۖ وَكُلّٞ فِيهَا خَٰلِدُونَ} [الأنبياء: 99]، وفي
هذا المصير يعترف المشركون بأنهم أخطؤوا، فيقولون لأصنامهم ومعبوداتهم في النار: {تَٱللَّهِ
إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ ٩٧إِذۡ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٩٨} [الشعراء: 97، 98]
اعترفوا أنهم وقعوا في الضلال في الدنيا؛ حيث سووا هذه الأشياء بالله، فعبدوها مع
الله سبحانه وتعالى فشبهوها بالله! هذا مصيرهم يوم القيامة.
أما
الذين لم يرضوا بعبادتهم إياهم، فأولئك الذين قال الله فيهم: {إِنَّ ٱلَّذِينَ
سَبَقَتۡ لَهُم مِّنَّا ٱلۡحُسۡنَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ عَنۡهَا مُبۡعَدُونَ ١٠١لَا يَسۡمَعُونَ
حَسِيسَهَاۖ وَهُمۡ فِي مَا ٱشۡتَهَتۡ أَنفُسُهُمۡ خَٰلِدُونَ ١٠٢} [الأنبياء: 101، 102].