وَاعْلَمْ أَنَّ لِلنَّاسِ فِي مَنْفَعَةِ
العِبَادَةِ وَحِكْمَتِهَا وَمَقْصُودِهَا طُرُقًا أَرْبَعَةً، وَهُمْ فِي ذَلِكَ
أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ:
الصِّنْفُ
الأَوَّلُ: نُفَاةُ الحِكَمِ وَالتَّعْلِيلِ الَّذِينَ يَرُدُّونَ الأَمْرَ إِلَى
نَفْسِ المَشِيئَةِ وَصَرْفِ الإِرَادَةِ، فَهَؤُلاَءِ عِنْدَهُمُ القِيَامُ بِهَا
لَيْسَ إِلاَّ لِمُجَرَّدِ الأَمْرِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ سَبَبًا
لِسَعَادَةٍ فِي مَعَاشٍ وَلاَ مَعَادٍ، وَلاَ سَبَبًا لِنَجَاةٍ، وَإِنَّمَا
القِيَامُ بِهَا لِمُجَرَّدِ الأَمْرِ وَمَحْضِ المَشِيئَةِ، كَمَا قَالُوا فِي
الخَلْقِ: لَمْ يُخْلَقْ لِغَايَةٍ وَلاَ لِعِلَّةٍ هِيَ المَقْصُودَةُ بِهِ،
وَلاَ لِحِكْمَةٍ تَعُودُ إِلَيْهِ مِنْهُ، وَلَيْسَ فِي المَخْلُوقِ أَسْبَابٌ
تَكُونُ مُقْتَضَيَاتٍ لِمُسَبَّبَاتِهَا، وَلَيْسَ فِي النَّارِ سَبَبٌ لِلإِْحْرَاقِ،
وَلاَ فِي المَاءِ قُوَّةُ الإِغْرَاقِ وَلاَ التَّبْرِيدِ.
****
الشرح
ما
زال المؤلف رحمه الله يتكلم عن معنى قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسۡتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
{إِيَّاكَ
نَعۡبُدُ} العبادة -كما سبق - اسم
جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
والناس
في العبادة وحكمتها، وهل فيها حكمة أم ليس فيها حكمة... لهم كلام في هذا؛ ما بين
الجبرية، وما بين القدرية، ومذاهب أهل السنة والجماعة في ذلك معروفة.
قوله رحمه الله: «الصنف الأول» هؤلاء الجبرية الذين يقولون: «العبادة ليس لها حكمه، وإنما نحن نفعلها لمجرد الأمر؛ طاعة للأمر فقط، وإلا فهي ليس لها فائدة ولا حكمة»! ويقولون: «إن أفعال الله كلها ليس فيها حكمة، وإنما يفعلها لمجرد مشيئته، وإرادته فقط، ليس لأجل حكمة في ذلك»، فينفون الحكمة عن الله عز وجل ويجعلون أفعاله عبثًا ليس لها حكمة.
الصفحة 1 / 309