ويقولون:
هذه الأصنام التي نعبدها شفعاء لنا عند الله، لا أنها تعطينا من دون الله، أو أنها
ترزق أو تخلق: {قُلۡ مَن
يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَٰرَ
وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَيَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَيِّ
وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ} [يونس: 31] يعترفون بهذا، فلماذا لا تعبدون الله
وحده؟! هذا تناقض! {وَلَئِن
سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ
ٱلۡعَلِيمُ} [الزخرف: 9]، {وَلَئِن
سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَهُمۡ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۖ فَأَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ} [الزخرف: 87] يعترفون
بهذا، ولكنهم أبوا أن يفردوا الله بالعبادة، بل عبدوا معه غيره، وهذا محط الخلاف
بينهم وبين الأنبياء.
فتوحيد
الربوبية لم يخالفوا فيه، ولكنه لا يكفي، ولا يدخل في الإسلام حتى يضاف إليه توحيد
الألوهية، والخصام بين الرسل وبين الأمم ليس في توحيد الربوبية؛ فالمشركون يعترفون
به، وإنما الخصام هو في توحيد الألوهية، الرسل يطلبون منهم أن يفردوا الله
بالعبادة، ويتركوا عبادة ما سواه، وهم يأبون ذلك.
قد
يقول قائل:
إن فرعون أنكر توحيد الربوبية؛ قال: {يَٰٓأَيُّهَا
ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرِي} [القصص: 38]، وقال: {أَنَا۠ رَبُّكُمُ ٱلۡأَعۡلَىٰ} [النازعات: 24] ؟!
والجواب
عن ذلك:
أن فرعون يتظاهر بإنكاره، وإلا فهو مقر به في الباطن، ومعترف به في الباطن؛ لأن
العقول والفطر تهدي إليه، فهو إنما تظاهر بذلك من أجل بقاء ملكه أو أبهته أو
مطامعه؛ ولهذا قال له موسى عليه السلام: {قَالَ لَقَدۡ عَلِمۡتَ مَآ أَنزَلَ هَٰٓؤُلَآءِ
إِلَّا رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ بَصَآئِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ
يَٰفِرۡعَوۡنُ مَثۡبُورٗا}
[الإسراء: 102] فهو تظاهر بإنكار الربوبية،