يعترفون بهذا، ولكنهم
أنكروا توحيد الألوهية؛ أي: أن تحصر العبادة في الله، فهم يريدون أن يعبدوا ما
شاؤوا من الأصنام والأحجار والأشجار والأموات والمخلوقين، فهم إنما أنكروا توحيد
الألوهية؛ ولهذا بعث الله الرسل كلهم يدعون إلى توحيد الألوهية؛ قال تعالى: {وَمَآ
أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ
إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَٱعۡبُدُونِ}
[الأنبياء: 25] فكل نبي يقول لقومه: {يَٰقَوۡمِ
ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥٓ} [الأعراف: 59] لم يقولوا لهم: «أقروا بأن الله هو الخالق، الرازق، المحيي، المميت، المدبر»، لم
يقولوا لهم هذا، بل قالوا: {ٱعۡبُدُواْ
ٱللَّهَ}؛ فهم جاؤوا بالدعوة إلى
إفراد الله عز وجل بالعبادة، وهم لا يريدون ذلك، لا يريدون أن تكون العبادة محصورة
في الله، بل يعبدون الله ويعبدون معه غيره؛ ولهذا ذكر الله عنهم: {إِنَّهُمۡ
كَانُوٓاْ إِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا ٱللَّهُ يَسۡتَكۡبِرُونَ ٣٥ وَيَقُولُونَ
أَئِنَّا لَتَارِكُوٓاْ ءَالِهَتِنَا لِشَاعِرٖ مَّجۡنُونِۢ ٣٦} [الصافات: 35، 36] فهم
لا يريدون أن تكون العبادة محصورة في الله، بل تكون مشتركة بينه وبين غيره.
وقوم
نوح عليه السلام لما قال لهم نوح عليه السلام: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا؛
قالوا: {لَا
تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمۡ وَلَا تَذَرُنَّ وَدّٗا وَلَا سُوَاعٗا وَلَا يَغُوثَ
وَيَعُوقَ وَنَسۡرٗا}
[نوح: 23].
فالخلاف بين الرسل وبين أممهم إنما هو في توحيد الألوهية، فهذا هو الذي أنكروه، وهذا هو الذي طلب منهم فلم يستجيبوا، وهذه حقيقة ظاهرة في القرآن الكريم، فالتوحيد المطلوب هو توحيد الألوهية، وليس هو توحيد الربوبية فقط؛ لأن هذا موجود في الناس، وإذا كان هذا هو المطلوب فلا حاجة إلى بعثة الرسل؛ لأنه موجود في الناس ولا ينكرونه.