بِهم
العقابُ، وقد نظرَ الجبَّارُ تبارك وتعالى إليهم، فمَقَتَهُم عَربَهُم وعَجَمَهُم
إلاَّ بقايا من أهلِ الكتاب.
وقد استندَ كُلُّ قوْمٍ إلى ظُلْمِ آرائِهم، وحكَمُوا
على الله سبحانه وتعالى بمقالاتِهم الباطلة وأهوائِهم، وليلُ الكُفْرِ مُدْلَهِمٌّ
ظلامُهُ، شديدٌ قتامُهُ، وسبُلُ الحَقّ عافيةٌ آثارُها، مطموسةٌ أعلامُها، ففلقَ
اللهُ سبحانه وتعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم صُبْحَ الإِيمَان؛ فأضاءَ حتَّى ملأ
الآفاقَ نُورًا، وأطلعَ به شمسَ الرسالة في حنادسِ الظُّلْمِ سِراجًا مُنِيرًا،
فهدى الله به مِنَ الضَّلالة، وعلَّمَ به من الجهالة، وبصَّرَ به من العمَى، وأرشد
به من الغيِّ، وكثَّر به بعد القلّة، وأعزَّ به بعد الذِّلَّةِ، وأغنى به بعد
العَيْلَةِ، واستنقذ به من الهَلَكَةِ، وفتح به أعْيُنًا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا
وقُلُوبًا غُلْفًا، فبلَّغَ الرِّسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصَحَ للأُمَّةِ، وكشفَ
الغُمَّة، وجاهدَ في الله حَقَّ جهادِهِ، وعبدَ اللهَ؛ حتى أتاهُ اليقينُ مِن ربِّهِ،
وشرَحَ اللهُ له صدْرَهُ، ورفعَ له ذِكْرَهُ، ووضَعَ عنْهُ وِزْرَهُ، وجعلَ
الذِّلَّةَ والصَّغَار على مَنْ خالفَ أمْرَهُ، وأقْسَمَ بحياتِه في كتابهِ
المُبِين، وقرنَ اسْمَهُ باسْمِهِ، فإذا ذُكِرَ ذُكِرَ معه كما في الخُطَبِ
والتَّشَهُّدِ والتَّأْذِين، فلا يَصِحُّ لأحدٍ خُطْبَةٌ ولا تَشَهُّدٌ ولا أذانٌ
ولا صَلاةٌ؛ حتى يَشْهَدَ أنَّهُ عبْدُه ورسُولُه شهادةَ اليقينِ، وصلَّى اللهُ
وملائكتُه وأنبياؤه ورسلُه وجميعُ خلقِه عليه - كما عَرَّفَنا بالله، وهدانا إليه
- وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فإنَّ الله جلَّ ثناؤُه، وتقدَّسَتْ أسماؤُه إذا أرادَ أنْ يُكْرِمَ عبْدَهُ بِمَعرفتِه، ويجمعَ قلبَهُ على مَحَبَّتِهِ، شرحَ صدْرَهُ لقَبُولِ صِفاتِه العُلَى وتلقِّيها مِن مِشْكاةِ الوَحْيِ، فإذا وردَ عليه شيءٌ مِنها قابلَهُ بالقَبُولِ، وتلقَّاهُ بالرِّضا والتَّسلِيم، وأذْعَنَ له بالانقيادِ فاستنار به قلبُهُ، واتَّسَعَ له