مُقَدِّمَةُ المُعَلِّق
****
الحمدُ لله رَبِّ العالمين. والصَّلاة والسَّلامُ على
نبِيِّنا محمد وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين. وبعدُ: فهذه المُقَدِّمَةُ مِن الشَّيْخِ
الإمامِ ابن القيمِ رحمه الله مقدمة جميلة يُبَيِّن فيها غرضَهُ من هذه
المنْظُومَة الطَّوِيلَة «النُّونِيَّة».
وابنُ القيِّم رحمه الله أعطاهُ الله عِلْمًا غزِيرًا،
وإلى جانب ذلك أعطاهُ حُسْنَ التَّعبِير، وحُسن سِياق الكلام وترْصِيفه، فهو جمع
بين بضاعةِ العلمِ والفِقْهِ في الدِّين، وبضاعة الأدب في الخطاب، فهو أديبٌ بارعٌ
إذا تكلَّمَ أو كتَبَ، أخذ القلوبَ بحُسن تعبِيرِه وبِحُسنِ سِياقِه، وحُسن اختيارِه
للألفاظِ، كما تقرؤون في هذه المُقَدِّمةِ من السَّلاسَةِ والأدبِ الرَّفِيع الذي
يُباري فيه كبارَ الأدَباء.
فهو رحمه الله أديبٌ فقيهٌ محدِّث مُفسِّرٌ متفنِّنٌ في
كثيرٍ من العلوم، وهو بَحْرٌ غزيرٌ، وقد حصل على هذا العلمِ الغزير من شيخِه «شيخ
الإسلام ابن تيميةَ رحمه الله » فإنَّهُ لازَمَهُ مُلازَمَةً تامَّةً، وتأثَّرَ
به، وتروَّى من عِلمه، فظهرَ ذلك على مُؤَلَّفاتِه، فهو يَعْرِضُ عِلْمَ شيخِه
وحُججهِ عَرْضًا فَنِّيًّا في مُؤلَّفاتِه.
وسيأتيكم كلامُه في أنَّهُ كان في الأوَّلِ قبل أن يلتَقِيَ بالشيخِ أنَّهُ كان ضائعًا، وأنه كان واقعًا في شِراك المنطق والتَّصوُّفِ؛ حتَّى أتاحَ الله له هذا الإمامَ الجليل شيخ الإسلام ابن تيمِيةَ، فتروَّى من عِلْمِه، وتنوَّر بفِقْهِهِ، وتحرَّرَ مِن التَّقليدِ الأعْمَى، وعرَفَ مذْهَب السَّلف الصَّالِح من الصَّحابة والتَّابِعين ومَنْ تَبِعَهم؛ بلْ وقبْلَ ذلك كلِّه أوْرَدَهُ على فِقْهِ القرآن العظيم والسُّنَّةِ النَّبوِيَّة ومعانيهما، فتخرَّج على يد هذا الإمام، وهو يُعْتَبَرُ
الصفحة 1 / 445