فَصْلٌ: فِي سياقِ هذا الدَّليلِ مِنْ وَجهٍ آخر
****
وَسَلِ المُعَطِّلَ عَنْ مَسائِلَ خَمْسَةٍ **** تُرْدِي
قَواعِدَهُ مِنَ الأرْكَانِ
****
حاصل الدليل من
وجهٍ آخر أن يُقال:
أولاً: هل ترون أنّ الله سبحانه
وتعالى موجودٌ في الأذهان فقط، أو موجودٌ خارج الأذهان؟ فإن قالوا: إنَّهُ موجودٌ
في الأذهانِ فقط عَطَّلُوا.
ثانيًا: إذا قالوا: هو موجودٌ خارجَ
الأذهانِ فلا بُدَّ أن يقالَ مثل ما قيل في الأوَّلِ، هل ترونَ أنّه هو هذا
العالم، أو هو غير هذا العالم، فإن قالوا: هو هذا العالم، فهذا هو قول أهل وَحْدة
الوجود، وإن قالوا: هو غيرُ هذا العالم يُقال لهم: هل هو داخلُ العالمِ أو العالمُ
داخلٌ فيه؟ فإن قالوا بأحد الأمرين: إنّه داخلُ العالم أو العالمُ بداخله، يُقال:
هذا مذهب الحُلوليَّة الَّذين يقولون: إنّ الله حالٌّ في الكائنات، وهذا أخبثُ من
مذهبِ النَّصارَى؛ لأنّ النصارى إنَّما قالوا بحلولِه في شخص واحد، وهو المسيح،
وأنتم تقولون: إنّه حالٌّ في كلِّ شيء، وهذا من أبطلِ الباطل، فإن قالوا: إنّه ليس
في مخلوقاته شيءٌ من ذاته ولا في ذاتِه شيءٌ من مخلوقاته فهذا هو الحقُّ، فإذًا:
يكونُ مُباينًا لخلقِه، فيُقال لهم: إذا أقررتم بهذا، وأنّه ليس حالًّا في خلقه،
ولا خلقُه حَالًّ فيه، هل تقولون: إنّه عَرَضٌ لا يقوم بنفسِه، كالألوانِ من
البياض والحُمرة والصُّفرة. فإذا قالوا: إنّه عَرَضٌ لَزِمَهم القولُ بالحلول، وإن
قالوا: إنّه غيرُ عَرَضٍ، إنَّما هو ذات، ووجودٌ مستقلٌّ، فهذه هي
الصفحة 1 / 445