فَصْلٌ: في مجامعِ طُرُق أهلِ الأرض
واختلافِهِم في القرآنِ
****
لمّا ذكَر
الشيخُ الإمامُ ابنُ القيِّم رحمه الله مذهبَ أهلِ السُّنةِ والجماعة في كلامِ
اللهِ عز وجل، وذكر مذاهبَ مخالفيهم من الفِرق، أراد أن يُجمِل ما سبق، ولا
تَستَغربوا من اهتمامِ ابنِ القيم رحمه الله بهذه المسألةِ وإطالته فيها، فإنها
مسألةٌ عظيمةٌ يترتبُ عليها أمرٌ عظيم؛ لأن هؤلاء المخالفين في كلامِ اللهِ
يُريدون أن يَنفوا أنْ يكونَ لله كلامٌ أنزله إلى رسوله، وبذلك تبطُلُ الأوامرُ
والنواهي سواء أرادوا ذلك - وقد أراده ملاحدتُهم وقدماؤُهم - أو أخذوه عن تقليدٍ
وجهلٍ وتعصُّب، فإنَّ مُرادَهم ومُرادَ الشيطانِ الذي قادهم إلى ذلك فيما يلي:
1- أن يُعطِّلوا اللهَ تعالى من أعظمِ صفةٍ من صفاتِه
وهي الكلام، ويجعلوه بمثابةِ الجماداتِ التي لا تَنطق، فاللهُ تعالى عاب على بني إسرائيل
لما عبدُوا العجلَ فقال: ﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا
يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ﴾
[الأعراف: 148] يعني: لا يتكلمُ وهذا عيبٌ في الآلهةِ أنَّها لا تتكلم، وليس لها
أوامرُ ولا نواهٍ ولا تدبيرٌ ولا إرادةٌ ولا خلق، تعالى اللهُ عمَّا يقولون. فهم
أرادوا تعطيلَ اللهِ عن هذه الصفةِ العظيمة.
2- أرادوا أن يقولوا: إنَّ هذا الذي بينَ أيديكم ليس هو
كلامُ اللهِ وإنَّما هو قولُ البشرِ كما قال الوليدُ بن المغيرة، فلا يكونُ للهِ
بيننا كلام، لا توراة ولا إنجيل ولا قرآن ولا زبور، وأن الذي يقول: هذا كلامُ اللهِ
يكون مُخطئًا، هذا ليس كلامَ الله؛ لأن اللهَ لا يتكلّم - تعالى اللهُ عمّا يقولون
- فالأمرُ عظيمٌ جدًّا والخطرُ شديد.
الصفحة 1 / 445