ولهذا وقفَ الأئمةُ من هذه المسألةِ موقفَ الحزمِ ولم
يتساهلوا فيها، كالإمامِ أحمد رحمه الله وهو قائدُ أهلِ السُّنة - الذين وقَفُوا
بحزمٍ أمامَ هذه المسألةِ حتى سُجن وعُذِّب، وطال سجنُه رحمه الله في خلافةِ
المأمونِ والمعتصِم والواثق، ثلاثة خلفاء تعاقبوا على تعذيبِ الإمامِ أحمدَ
وسَجْنِه، ولم يُطلقْه إلا المتوكل رحمه الله الذي أظهرَ مذهبَ أهلِ السنة،
وقُتِلَ في هذه المِحنةِ من قُتل.
فالمسألةُ واجهَها الأئمةُ بحزمٍ ولم يلينوا أمامها؛
لأنَّهم يعلمون ما يترتبُ عليها من خطرٍ على الأمةِ الإسلامية، فكان لموقفِهم
بقيادةِ الإمامِ أحمدَ إمام أهلِ السُّنةِ الفوائدُ العظيمةُ للأمة الإسلامية،
وأخزى اللهُ خصومَهم، ونصرَ الحقَّ وأهلَه، واندحر أهلُ الباطلِ وللهِ الحمد،
وبقِيَ الاعتقادُ السليمُ في كلامِ الله؛ تحقيقًا لقولِه تعالى: ﴿إِنَّا نَحۡنُ
نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ﴾
[الحجر: 9].
وقيَّض اللهُ هؤلاء الأئمةَ لإظهارِ الحقِّ ودحْضِ الباطل، ومنهم هذا الإمام العظيمُ ابنُ القيِّم رحمه الله، وشيخُه شيخُ الإسلامِ ابنِ تيميةَ ومن سار على نهجِهم من الأئمة، وفي عصرِنا الآن من المتحذلقين الذين يدَّعون العلم من يقول: المسألةُ لا تحتاجُ إلى هذا، أُعطيت أكبرَ من حجمِها، وحصَل فيها فرقةٌ بين المسلمين، وهي لا تستحقُّ كلَّ هذا، إنما هي مسألةٌ عادية، وكأن جهادَ الإمامِ أحمد ومن معَه من بابِ العَبث، أو يكادون يقولون: إنهم مخطئُون، ولا تستحِقُّ هذه العناية، وهناك من يقول: إن الإمامَ أحمدَ لم يُسجَنْ من أجلِ مسألةِ خلقِ القرآن،