فصل
****
وَقَضَى بأنَّ اللهَ كان مُعَطَّلاً **** والفِعْلُ
مُمْتَنِعٌ بِلا إِمْكانِ
****
وهذا أيضًا مِنْ
أقوال الجهْمِ الباطلة، وهو: «أنَّ أفعالَ اللهِ سبحانه وتعالى
لها بدايةٌ محدودةٌ كان قبل ذلك مُعَطَّلاً عن الفعل، ثم صار يفعلُ، ويخلق، وقصدهم
من ذلك أن يقولوا: إنَّ أفعال الله ليست قديمة، وإنما هي حادثة لمنع التسلسلِ في
الماضي؛ تنزيهًا لله بزعمهم من تسلسل الحوادث في الماضي؛ لئلا تكونَ شريكةً له في
القِدَم، وهذا ما يُعبَّر عنه: «بمنع تسلسل الحوادث في الماضي».
فهو عطَّل الله في وقت من الأوقات بزعمه عن الفعل، وزعم
أن أفعاله لها بداية، والحقُّ: أن أفعال الله لا بداية لها، كما أن الله لا بداية
له سبحانه وتعالى، فهو لم يزل يخلق، ويفعل ما يشاء بدون تحديد لوقت، فلا يُقال:
إنَّه مضى عليه وقتٌ لا يفعل ثم صار يفعل.
وهذا يلزم منه تعطيل كمال الله في وقتٍ من الأوقات، ثم
أيضًا إذا كان ممتنعًا عليه أن يفعل في ذاك الوقت الذي زعمه، فما الذي جعلهُ يفعل
بعد ذلك؟ ما الذي أزال هذا الامتناع؟ فهذا من أبْطَلِ الباطل، أفعال الله من ناحية
جنسها قديمةٌ بقِدَمِه، وأمَّا من ناحية نوعها وأعيانها فهي مُحدثة، فهي حادثة
الآحاد قديمة النوع، لا يزالُ الخلقُ يوجَدُ شيئًا فشيئًا من ناحية الآحاد، وأمّا
من ناحية النوع فالمشيئة وسائر صفات الله قديمة بقِدَمِه سبحانه وتعالى لا حَدَّ
لها، فهو بعد صفاته قديمٌ أزليٌّ.
الصفحة 1 / 445