فصلٌ: في الفلاسِفةِ والقرامطَةِ
في كلامِ الرَّبِّ جلَّ جلالُه
****
لما انتهى من
بيانِ أقْوالِ المُتكلِّمينَ وقوْلِ أهْلِ السُّنَّةِ في كلامِ اللهِ والتَّفصيلِ
في هذه المسألةِ، أرادَ أنْ يُتَمِّمَ البحثَ في ذكْرِ كلامِ غيرِ الإسْلاميِّينَ «في
كلامِ الرَّبِّ عمومًا» من الفلاسِفَةِ والقرامِطَةِ والاتِّحاديةِ، وهذه طوائفُ
كفريَّةٌ. والفلاسفةُ: جمْعُ فَيْلَسوف، وفَيْلَسوف كلمةٌ يونانيَّةٌ يقولون:
إنَّها مُرَكَّبةٌ من كلمتَيْنِ، فيلا وسوفا، فيلا: معناها المُحِبُّ، وسوفا:
معناها الحِكْمَة، فالفيلسوف معناه عندهم: مُحبُّ الحِكْمَةِ.
واليونانُ دولةٌ قديمةٌ نشَأَ فيها فَلاسِفةٌ كأرسطو
وأفْلاطُونَ، وجاءَ بعدَهم فلاسفَةٌ تَتَلْمَذوا عليهم وفلاسفةٌ يُنسَبُون إلى
الإسْلامِ كالفارابِيِّ وابنِ سِينَا، ونصيرِ الكُفْرِ الطُّوسِي. هؤلاءِ
فلاسِفَةٌ يُنسَبُون إلى الإسْلامِ وقد تَلَقَّوْا مَذْهَبَهم عنْ فلاسِفَةِ
اليونانِ.
والسَّبَبُ في سَرَيانِ فلسفةِ اليُونانِ إلى المسلمينَ واعْتِناقِ هؤلاءِ لها: هو المأْمونُ العَبَّاسي - غفَرَ اللهُ لنا ولَه - فإنَّه هو الَّذي نَقَلَ كُتُبَ الرُّومِ وعَرَّبَها، وَجعَلها بأَيدي المسلمينَ بما فيها من شَرٍّ، وبما فيها من فِتْنَةٍ، وما فيها من ضلالٍ، فأثَّرَتْ على كثيرٍ من المسلمينَ فيَتَحَمَّلُ هو وِزْرَها وإثْمَها. والسببُ في هذا: أنَّه اسْتَوزَرَ أُناسًا خَونَةً منَ المُعتزلَةِ وعلماءِ الكلامِ فأثَّرُوا عليه في نَقْلِ هذه العلومِ، فلمَّا عُرِّبَتْ هذه الكتبُ دخَلَ الشَّرُّ على المسلمينَ.
الصفحة 1 / 445