وأتى ابنُ سِينا القُرْمُطيُّ مُصانعًا **** للمسلمينَ بإفْكٍ
ذي بهتانِ
فرآه فيْضًا فاضَ مِن عَقْلٍ هو الـ **** ـفعّالُ علَّةُ
هذهِ الأكوانِ
****
ولهذا يقولُ الإمامُ أحمدُ: لا أظنُّ أنَّ اللهَ
يَغْفُلُ عنِ المأمونِ فقدْ أدْخَلَ في الإسلام ما ليس منه. وعلى كل حال هذا هو
السَّبَبُ الذي وصَّلَ هذا الضَّلالَ وهذا الكفْرَ وهذا الإلحادَ إلى منْ تأثَّرَ
به من المُسلمينَ، وحَمَى اللهُ الأئمَّةَ وحَمَى اللهُ علماءَ المسلمينَ
المُتمسِّكينَ بالكتابِ والسُّنَّةِ، لكن حَصَلَ عليهم مِحْنَةٌ بسببِ ذلك، كما
حَصَلَ للإمامِ أحمدَ وغيرِه منَ الأئمَّةِ بسَبِبِ تعريبِ هذه الكُتُبِ
وإدْخالِهَا إلى بلادِ الإسْلامِ.
ابنُ سِينا: هو الحُسَيْنُ بنُ عبدِ الله بنِ سينا، أبو
علي، ويُلَقَّبُ بالرئيس؛ لأنَّه مُتَقدِّمٌ في الفلسفةِ والطِّبِّ، وهو منَ
الشِّيعةِ الباطنيَّةِ. اعتَنَقَ هذا المذْهَبَ الإلحاديَّ، وأرادَ أن يَجمَعَ
بينَ الفلسفةِ ودينِ الإسلامِ، فألبَسَ الفَلسفَةَ ثَوْبًا دِينيًّا، وزَعَمَ
أنَّها لا تَتعارضُ مع نُصوصِ الإسْلامِ، فجَمَعَ بينَ التَّلبيسِ والتَّضليلِ
لخِداعِ المسلمينَ. إذ رأى النُّصوصَ تُخالِفُ ما يُريدُ أوَّلَ النُّصوصَ
وحرَّفَها حتَّى تَتوافَقَ معَ ما يُريدُه.
هذا المُلْحِدُ يرى أنَّه ليس للهِ كلامٌ وإنَّما هو: فَيْضٌ فاضَ منَ العقْلِ الفعَّالِ الذي هو أحدُ الأفْلاكِ، الذي تَنشَأُ عنه الحوادثُ، فاض منه وصادَفَ أنَّ محمَّدًا له فِطْرَةٌ صافيَةٌ وذَكاءٌ، فهذا الفَيْضُ أثَّرَ في نفْسِه وتصَوُّرِه كأنَّ أُناسًا يُخاطِبونَه ويُكلِّمُونه، يَظُنُّهم مَلائكَةً،