حتَّى تلقَّاهُ ذَكِيٌّ فاضلٌ **** حَسَنُ
التَّخيُّلِ جيِّدُ التِّبيانِ
فأَتَى به للعالَمينَ خَطابَةً **** ومَواعِظًا
عَرِيتْ عنِ البُرهانِ
****
فتكلَّمَ بهذا
الذي يُسَمَّى القُرآنُ تَخيُّلاً منه، وأرادَ بذلكَ التَّأثيرَ على العوامِّ،
أمَّا العُقلاءُ فإنَّهم لا يتأثَّرون بهذا، ولذلك يَرَى بزَعْمِه أنَّ القرآنَ
ليس فيه براهينُ، وإنَّما هو خُطبٌ ومُواعظُ، ليسَ فيه براهينُ عقليَّةٌ، هذا
رأْيُ ابنِ سِينا في القرآنِ، أنَّه صاغَه محمَّدٌ بناءً على ما تَخيَّلَه في
ذِهْنِه، يريدُ بذلكَ إصْلاحَ العَوامِّ الَّذين لا يحتاجون إلى براهينَ، بل
يَكْفِيهم الوَعْظُ والخطابةُ والتأثيرُ.
يقول: ليسَ محمَّدٌ نبيًّا إنَّما
هو إنسانٌ ذَكِيٌّ وصافي الذِّهْن، فخيَّلَ للنَّاسِ هذه الأمورَ تخيُّلاً، وإلا
فإنَّه لم يأتِهِ مَلَكٌ ولا نَزَلَ عليه قُرآنٌ، إنَّما هو ذَكيٌّ فخيَّلَ
للنَّاسِ هذه التَّخيُّلاتِ، وقال: إنَّ الرَّبَّ أرْسَلَنِي، وأنزلَ عليَّ
القرآنَ، وأنَّه كلامُ اللهِ... وهو شيءٌ حَدَثَ في نفْسِه وتخيُّلِه، وأصْدَرَه
للنَّاسِ كلامًا على حَسَبِ عقولِ العوامِّ. هذا اعتقادُ ابنِ سِينا في القرآنِ
والنَّبيِّ - والعياذُ باللهِ -.
يقولُ: إنَّ القرآنَ مُجرَّدُ خَطابَةٍ ومَواعظَ، ما فيه براهينُ عقليَّةٌ تُقْنِعُ العُقولَ.