×
التعليق المختصر على العقيدة النونية الجزء الأول

 أبرزَ تلاميذِ شيخ الإسلام ابنِ تيمية، ورئيس تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وكلُّهُم أئِمَّةٌ، ولكنَّ الإمام ابنَ القيِّم حصلَ على ثَرْوَةٍ عظيمة من عِلم شيخِه، وأعطاهُ الله حُسْنَ العبارةِ والصِّيَاغَةِ، وسياق الكلام بمَساق مُشَوِّق، وكُلُّ مَن قرأ كُتُبَهُ فإنّه يستفيدُ عِلْمًا غزيرًا، وأسلوبًا وأدبًا وحُسن مَحاجَّةٍ ومُخاصَمةٍ، ويستفيدُ لغةً وأدبًا جمًّا.

وهو يذكرُ في هذا الكلامِ الذي مَرَّ أنَّ النَّاس انقسموا إلى قِسمَيْنِ نحو الأسماءِ والصِّفات للهِ عز وجل، قسمٌ قَبِلُوها، قبلوا الأسماءَ والصفاتِ كما جاءت، واستنارت قلوبهم بها، وعرَفُوا رَبَّهُم بها، وذكرُوا اللهَ عز وجل بأسمائِه وصفاتِه، يلهجونَ بذلك في أذكارهم ودعواتِهم، ويتوسَّلُونَ إلى اللهِ جل وعلا بها كما قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ [الأعراف: 180] فَرِحُوا بها، وتفَهَّمُوا معانيها. والقسم الثاني: تلقَّوْها بالنُّكْرَانِ والجُحُود والكُفْرِ بها، وقابلوها بالتأويلِ، والتَّحْرِيف، وفي مُقدِّمَةِ هؤلاء: الجهميَّة والمعتزلة والأشاعرة وسائر الطوائف التي تنكَّرَتْ للأسماءِ والصِّفات الواردة في الكتاب والسُّنَّةِ أو لبعضِها، وقالوا: إنَّها إذا اعتقدَها الإِنسَان يكون مُشَبِّهًا ومُجَسِّمًا؛ لأنَّ هذه الأسماءَ والصفاتِ لا تكونُ إلا للأجسامِ بزَعْمِهم، ولأنَّ هذِه الأسماءَ والصِّفات تُوجَدُ في المَخلوقِين، فإذا سُمِّيَ اللهُ بها أو وُصِفَ بها صارَ مُشابِهًا للمخلوقين بزعمهم.

والسببُ في هذا: أنَّهُم أعرضوا عن الكتاب والسُّنَّةِ، وبنَوْا مذهبَهُم علَى عِلْمِ المَنطِق وعِلم الكلام، وسمَّوْا عِلْمَ المنطق وعِلم الكلامِ عِلمًا يَقِينيًّا، وسمَّوْا أدِلَّة الكتابِ والسُّنَّةِ أدِلَّةً سَمْعِيَّة ظَنِّيَّة لا تُفيد اليقِين، ولا تُفيد العِلْم، هذا هو السَّبب في ضَلالِهم، فقدَّمُوا العلومَ العقليَّة


الشرح