والقواعد المنطقيَّة علَى أدِلَّةِ الكتابِ
والسُّنَّةِ، وصاروا يُخْضِعونَ الكِتابَ والسُّنَّةَ إلى قواعدهِم؛ فما وافَقَها
قَبِلُوهُ، وما خالفها رَدُّوه، واعتبرُوا الأصلَ الذي يُلجأ إليه هو عِلْمُ
المنطقِ وعِلم الكلام.
فنشأ من ذلك - والعياذ بالله - الضَّلالُ المُبِين،
والتَّحرِيف لكتاب الله وسُنَّةِ رسولِه، ونشأَ من ذلك العداوةُ لأهلِ الإِيمَان
وأهل العِلم، وجهَّلوا العلماءَ، وجهَّلوا السَّلَف الصالح حتَّى قالوا: إنَّ
طريقةَ السَّلَفِ هي طريقةٌ تفويضيَّةٌ يقْرَؤُونَ النُّصوصَ لكن لا يفهمونَ
معناها، ويُفوِّضُونَ معناها إلى الله، ويَقرَؤُونها مُجَرَّدَ قراءةٍ، ولا
يَعرِفون معناها. فهُمْ بهذا جهَّلوا السَّلَفَ، وجعلوا السَّلَفَ بمثابةِ
الأُمِّيّين الذين يقرؤونَ القرآنَ، ولا يَفْهَمُونَ معناه، كما قال تعالى في أهل
الكتاب: ﴿وَمِنۡهُمۡ
أُمِّيُّونَ لَا يَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّآ أَمَانِيَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا
يَظُنُّونَ﴾ [البقرة: 78] فجعلوا
السَّلَفَ بما فيهم صحابةُ رسول الله والتابعون وأتباعهم والقرون المُفضَّلة بهذه
الصفة أنهم يقرؤون ولا يفهمونَ قراءة مجردة للألفاظ فقط.
قالوا: وأمَّا الخلفُ فإنَّهُم فَهِمُوا هذه النصوص،
وعرَفُوا أنَّها ليست على ظاهرِها، وأنَّ ظاهِرَها غيرُ مُرادٍ؛ فأوَّلوها عن
ظاهرِها، وحرَّفوها عن مَدْلُولها إلى عقلياتِهم وعلومِهم المَنطِقيَّة، وقالوا:
إنَّ هذا هو العلمُ، ونشأ عن هذا أنَّهُم قالوا: إنَّ طريقةَ السَّلَفِ أسْلَمُ،
وطريقةُ الخلَفِ أعْلَمُ وأحْكَمُ.
فطريقةُ السَّلَفِ أسْلَمُ؛ لأنَّهُم يَقْرَؤُونَها، ولا يَبْحَثُونَ فيها، ولا يعرِفُونَ معناها، أمَّا طريقةُ الخَلَفِ فهيَ أعلمُ وأحْكَمُ؛ لأنَّهُم علِمُوا أنَّ هذه النصوصَ ليست على ظاهرِها، وأنَّ الله منزَّهٌ عمّا تدُّلُّ عليه، فكأنَّ القرآنَ وكأَنَّ السُّنَّةَ على هذا الكلامِ، كأنَّها أُنْزِلَتْ لتضْلِيلِ النَّاس؛