×
المنتقى من فتاوى الجزء الثاني

 عَلَيْه، وَيُطْرَحُ بِالنَّارِ» ([1]) إلاَّ الصِّيامَ فَإِنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ لِلْغُرَمَاءِ يومَ القيامة وإِنَّما يَدَّخِرُهُ اللهُ عز وجل للعامل يجزيه به، ويدلُّ على هذا قولُه: «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلاَّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ([2]) أَيْ: أَنَّ أَعْمالَ بَنِي آدَمَ يجري فيها القِصاصُ ويَأْخُذُهَا الغُرَماءُ يومَ القيامة إِذا كان ظَلَمَهم إلاَّ الصِّيامَ فإِنَّ اللهَ يحفظُه ولا يتسلَّطُ عليه الغُرَماءُ ويكون لصاحبِه عند اللهِ عز وجل.

وقيل: إِنَّ معني قولِه تعالى: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ([3]) أَنَّ الصَّومَ عملٌ باطنيٌّ لا يعلمه إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى فهو نيَّةٌ قلبيَّةٌ بخلاف سائِرِ الأَعْمال فإِنَّها تظهر ويراها النَّاسُ أَمَّا الصِّيامُ فإِنَّه عملٌ سريٌّ بين العبدِ وبين ربِّه عز وجل ولهذا يقول: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، إِنَّهُ تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» ([4]) وكونُه ترك شهوتَه وطعامَه من أَجْل الله هذا عملٌ باطنيٌّ ونيَةٌ خفيَّةٌ لا يعلمها إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى بخلاف الصَّدقة مثلاً والصَّلاةِ والحجِّ والأَعْمالِ الظَّاهرةِ هذه يراها النَّاسُ أَمَّا الصِّيامُ فلا يراه أَحَدٌ لأَنَّه ليس معنى الصِّيام تركُ الطَّعامِ والشَّرابِ فقط أَوْ تركُ المُفْطِراتِ لكنْ مع ذلك لابدَّ أَنْ يكونَ خالصًا للهِ عز وجل وهذا لا يعلمه إلاَّ اللهُ سبحانه وتعالى.

ويكون قولُه: «إِنَّهُ تَرَكَ... إِلى آخره» تفسيرًا لقوله: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» ومن العلماءِ مَن يقول إِنَّ معنى قولِه تعالى: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» أَنَّ الصَّومُ لا يدخله شِرْكٌ بخلاف سائِرِ الأَعْمال فإِنَّ المشركين يقدِّمونها لمعبوداتهم كالذِّبْح والنَّذرِ وغيرِ ذلك من أَنْواع


الشرح

([1])أخرجه: مسلم رقم (2581).

([2])أخرجه: البخاري رقم (1904)، ومسلم رقم (1151).

([3])أخرجه: مسلم رقم (1151).

([4])أخرجه: مسلم رقم (1151).