ويبتعد عن
الشَّيْطَانِ؛ وبهذا تحصل له التقوى وهي فعلُ أَوامرِ اللهِ عز وجل وتركِ نواهِيْه
طلبًا لثوابِه وخوفًا من عقابِه، فهذا من أَعْظمِ المزايا أَنَّ الصِّيامَ يُسبِّب
للعبد تقوى الله سبحانه وتعالى، والتَّقْوى هي جماعُ الخيرِ وهي رَأْسُ البِرِّ وهي
التي علَّق اللهُ عليها خيراتٍ كثيرةً وكرَّر الأَمْرَ بها في كتابِه، وأَثْنَى على
أَهْلِها ووَعَدَ عليها بالخيرِ الكثيرِ وأَخْبَرَ أَنَّه يحبُّ المتَّقين. ومن فوائِدِ
الصِّيامِ أَنَّه يُربِّي الإِنْسانَ على تركِ مَأْلوفِه تقرُّبًا إِلى الله سبحانه
وتعالى؛ ولهذا يقول اللهُ جل وعلا في الحديثِ القُدْسيِّ: «الصَّوْمُ لِي وَأَنَا
أَجْزِي بِهِ، إِنَّهُ تَرَكَ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي»
([1]) فهذا فيه امْتِحانٌ
للصَّائِم في أَنَّه ترك شهوتَه وملذوذاتِه ومحبوباتِه؛ تقرُّبًا إِلى الله سبحانه
وتعالى، وآثَرَ ما يحبُّه اللهُ على ما تحبُّه نفسُه وهذا أَبْلغ أنواع التَّعبُّد،
وهذا من أَعْظم فوائِدِ الصِّيام وكذلك الصِّيامُ يعوِّد الإِنْسانَ على الإِحْسان
وعلى الشَّفَقَةِ على المحاويج والفقراءِ لأَنَّه إِذا ذاق طعمَ الجُوعِ وطعمَ العطشِ
فإِنَّ ذلك يُرقِّقُ قلبَه ويُليِّن شعورَه لإِخْوانه المحتاجين.
والصِّيامُ
فُرِضَ في السَّنةِ الثَّانيةِ من الهجرة وصام النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم تسعَ رمضاناتٍ
لأَنَّه عاش في المَدِيْنَةِ عشرَ سنواتٍ، والصِّيامُ فُرِضَ في السَّنةِ الثَّانيةِ
منها فيكون عليه الصلاة والسلام قد صام تسعَ رمضاناتٍ.
وأَمَّا معنى قولِه صلى الله عليه وسلم: «أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ» ([2]). فمعناه: أَنَّه يفسد صيامُ الحاجمِ وهو الذي يَسْحَبُ الدَّمَ بالقَرْنِ والمَحْجومِ هو الذي يُسْحَبُ مِنْهُ الدَّمَ فالاثنان أَفْطَرَا، أَمَّا إِفْطارُ المحجومِ فلِخروج الدَّمِ الكثيرِ منه وذلك ممَّا يُضْعِفُهُ عن الصِّيام، وأَمَّا إِفْطارُ الحاجمِ فلأَنَّه مظنَّةٌ أَنْ
([1])أخرجه: مسلم رقم (1151).