×
المنتقى من فتاوى الجزء الثاني

 * وممَّا يجب التَّنْبيهُ عليه أَنَّ اللهَ سبحانه وتعالى شرَع لنا في ليلة القدر من التَّعبُّدِ والتَّقرُّبِ إِليه ما لم يشرعْه في ليلة الإِسْراءِ، فليلةُ الإِسْراءِ لم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يخصُّها بقيامٍ أَوْ ذِكْرٍ، وإِنَّما كان يخصُّ ليلةَ القدر لفضلها ولمكانتِها، وأَيْضًا ليلةُ الإِسْراءِ لم تثبتْ في أَيِّ ليلةٍ ولا في أَيِّ شهرٍ هي ممَّا يدلُّ على أَنَّ العلمَ بها وتحديدَها ليس لنا فيه مصلحةٌ خلاف ليلة القدر، فإِنَّ اللهَ أَخْبَرَ أَنَّها في رَمَضَانَ لأَنَّ اللهَ قال: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ [البقرة: 185]، وقال: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ [القدر: 1]. فدلَّ على أَنَّ ليلةَ القدر في شهر رَمَضَانَ، وإن كانت لا تتعيَّن في ليلةٍ معيَّنةٍ من رَمَضَانَ إلاَّ أَنَّه يترجح أَنَّها في العشرِ الأَواخرِ، وفي ليلة سبعٍ وعشرين آكدُ اللَّيالي عند الإِمام أَحْمَدَ وجماعةٍ من الأَئِمَّة، وللعلماءِ في تحرِّيها اجتهاداتٌ ومذاهبُ، لكنْ هي في شهر رمضان قطعًا. فمن صام شهرَ رَمَضَانَ وقامَ لياليه فلا شكَّ أَنَّه قد مرَّتْ به ليلةُ القدر، ولا شكَّ أَنَّه شهد ليلةَ القدر ويُكتب له من الأَجْر بحسبِ نيَّتِه واجتهادِه وتوفيقِ اللهِ له، فليلةُ القدر لنا فيها مِيْزَةٌ في أَنْ شُرِعَ لنا الاجتهادُ في العبادة والدُّعاءِ والذِّكْرِ وتحرِّيها بخلاف ليلة الإِسْراءِ، فهذه لم يطلب منَّا أَنْ نتحرَّاها، ولا أَنْ نخصَّها بشيءٍ من العبادات؛ وبهذا يظهر أَنَّ هؤُلاءِ الذين يحتفلون في ليلة الإِسْراءِ والمعراجِ أَنَّهم مبتدعةٌ بما لم يشرعْه اللهُ ولم يشرعْه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يحتفل كلَّ سنةٍ بمرور ليلةٍ من اللَّيالي يقول إِنَّ هذه ليلةُ الإِسْراءِ وليلةُ المِعْراج، كما كان يفعله هؤُلاءِ المنحرفون المبتدعةُ الذين اتَّخذوا دِيْنَهم طقوسًا ومناسباتِ بدعيَّةً، وتركوا السُّننَ وتركوا الشَّرائِعَ الثَّابتةَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا مما يجب الانتباهُ له وبيانُه للنَّاس، وأَنَّ الله شرَع لنا


الشرح