قال ابنُ
القَيِّمِ رحمه الله في الآية الأولى: فُسِّرَ هذَا الظَّنُّ بِأَنَّهُ -
سُبْحَانَهُ - لاَ يَنْصُرُ رَسُولَهُ، وَأَنَّ أَمْرَهُ سَيَضْمَحِلُّ، وَأَنَّ
مَا أَصَابَهُمْ لَمْ يَكُنْ بِقَدَرِ اللهِ وحِكْمَتِهِ، فَفُسِّرَ بِإِنْكَارِ
الْحِكْمَةِ، وَإِنْكَارِ الْقَدَرِ، وَإِنْكَارِ أَنْ يُتِمَّ أَمْرَ رَسُولِهِ،
وَيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَهذَا هُوَ ظَنُّ السَّوْءِ الَّذِي
ظَنَّهُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي سُورَةِ الْفَتْحِ، وَإِنَّمَا
كَانَ هذَا ظَنَّ السَّوْءِ لأَِنّهُ ظَنُّ غَيْرِ مَا يَلِيقُ بِهِ -سُبْحَانَهُ-
وَمَا يَلِيقُ بِحِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ وَوَعْدِهِ الصَّادِقِ.
فَمَنْ ظَنَّ
أنَّهُ يُديلُ البَاطِلَ عَلَى الحَقِّ إدَالَةً مُسْتَقِرَّةً يَضْمَحِلُّ
مَعَهَا الْحَقُّ أوْ أَنْكَرَ أنْ يَكُونَ مَا جَرَى بقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَوْ
أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ قدَّرَهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ يَسْتَحِقُّ عَلَيْها
الحَمْدَ بَلْ زَعَمَ أنَّ ذَلِكَ لمشيئةٍ مُجَرَّدةٍ فـ ﴿ذَٰلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ فَوَيۡلٞ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ
مِنَ ٱلنَّارِ﴾ [سورة ص: 27]. وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ
الْحَقِّ ظَنَّ السَّوْءِ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِمْ وَفِيمَا يَفْعَلُهُ
بِغَيْرِهِمْ، وَلاَ يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعَرَفَ
أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ، مُوجِبَ حَمْدِهِ وَحِكْمَتِهِ ووعدِهِ الصَّادِقِ.
فَلْيَعْتَنِ
اللَّبِيبُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ بِهذَا، وَلْيَتُبْ إِلى اللَّهِ
وَيَسْتَغْفِرْهُ مِنْ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ ظَنَّ السَّوْءِ، وَلَوْ فَتَّشْتَ مَنْ
فَتَّشْتَ لَرَأَيْتَ عِنْدَهُ تَعَتُّبًا عَلَى الْقَدَرِ وَمَلاَمَةً لَهُ
وَأَنّهُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَا وَكَذَا، فَمُسْتَقِلٌّ
وَمُسْتَكْثِرٌ، وَفَتِّشْ نَفْسَكَ هَلْ أَنْتَ سَالِمٌ؟
فَإِنْ
تَنْجُ مِنْهَا تَنْجُ مِنْ ذِي عظيمَةٍ *** وَإِلاَّ فَإِنِّي لاَ إِخَالُك
نَاجِيًا
*****
«قال ابنُ الْقَيِّمِ»: أيْ: في «زاد
المعاد» في الكلام على ما تضمَّنتْه وقعةُ أُحُدٍ، ومُناسَبةُ ذِكْر كلامه هنا
توضيحُ معنى الآية الكريمةِ.