والرسول صلى الله عليه
وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن أعطاه الخطة التي يسير عليها في دعوته، وقال له: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ
كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ» ([1]). إلى آخر
الحديث، فلم يأمره أن يدعوهم إلى الصلاة أولاً، أو إلى الزكاة، أو إلى الصيام؛ بل
أمره أن يدعوهم أولاً إلى التوحيد، فإذا أقروا بالتوحيد أمرهم بالصلاة وبقية
العبادات؛ لأن الصلاة وسائر العبادات لا تصح إذا لم يكن هناك عقيدة صحيحة تبنى
عليها العبادات؛ فهي الأساس؛ ولذلك سار الدعاة المصلحون من هذه الأمة على هذا
المنهج النبوي؛ فكان أول ما يبدؤون بدعوة التوحيد، فإذا استجاب لهم الناس وأخلصوا
العبادة لله وتركوا الشرك أمروهم ببقية الأوامر والعبادات؛ لأنها لا بد أن تنبني
على أساس صحيح، هذا هو المنهج في الدعوة، وأما المناهج الدعوية التي يُسَمُّونها
والتي تُهمل التوحيد وتهمشه، ويقولون: «الناس
مسلمون ولا حاجة إلى أنهم يُدْعَوْنَ إلى العقيدة»!
نقول: لا يكونون مسلمين إلا
إذا صححوا العقيدة، أما مجرد أنهم ينتسبون إلى الإسلام أو يصلون أو يصومون... إلى
آخره من العبادات وهم لم يصححوا العقيدة، ويعبدون القبور والأضرحة وغير ذلك؛
فهؤلاء ليسوا مسلمين، هذا من ناحية، وما أكثر هذا في الأمة اليوم!
الناحية الثانية: ولو كانوا مسلمين أيضًا فهم بحاجة إلى أن يتعلموا التوحيد ويعرفوا ضده؛ حتى لا يخلُّوا بذلك؛ فالمسلم بحاجة إلى تعلم العقيدة وبيانها له؛ حتى لا يقع في الشرك وهو لا يدري، فالمسلم - أيضًا - بحاجة إلى أن يتعلم هذه العقيدة، ويعرف ما يُضادُّها ويُفسِدُها؛ فلا غنى عن التوحيد، ولا بد من تعلمه وتعليمه ونشره بين الناس، وأن يكون هو أساس الدعوة إلى الله عز وجل.
([1])أخرجه: البخاري رقم (1458)، ومسلم رقم (19).