وَهَذَا بِخِلاَفِ المُلُوكِ فَإِنَّهُمْ
مُحْتَاجُونَ إِلَى الوَسَائِطِ ضَرَوُرَةً؛ لِحَاجَتِهِمْ وَعَجْزِهِمْ
وَضَعْفِهِمْ وَقُصُورِ عِلْمِهِمْ عَنْ إِدْرَاكِ حَوَائِجِ المُضْطرِّينَ.
فَأَمَّا
مَنْ لاَ يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَنْ سَمْعٍ، وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ،
وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ؛ فَمَا تَصْنَعُ الوَسَائِطُ عِنْدَهُ ؟!
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«وَهَذَا بِخِلاَفِ المُلُوكِ» فهم
يقولون: «كما أنك تحتاج إلى الوسائط عند
الملوك؛ فأيضًا تحتاج إلى الوسائط عند الله»، فيقيسون الله بخلقه! وهذا من سوء
الظن بالله عز وجل ومن تنقص الله؛ حيث شبهوه بالملوك، والملوك بشر لا يدرون عن
حوائج الرعية إلا إذا بُلغوا عنها، وأيضًا لو بلغوا فقد لا يريدون قضاء حوائجهم
إلا بمن يعطفهم ويرقق قلوبهم للرعية أو للمحتاجين، أما الله عز وجل فإنه لا يخفى
عليه شيء، وهو - سُبْحَانَهُ - يرحم عباده، وينعم عليهم؛ فليس بحاجة إلى من يعطفه على
حقه.
قوله
رحمه الله:
«فَإِنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى
الوَسَائِطِ ضَرَوُرَةً» فالملوك محتاجون إلى الوسائط والوزراء؛ ليبلغوهم عن
أمور الرعية، ويعينوهم على قضاء حوائج الرعية، فلا يقوى بنفسه أن يقوم بكل شيء،
أما الله عز وجل فإنه لا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء؛ فهو الغني عن خلقه؛ فليس
بحاجة مثل حاجة الملوك إلى ما يصلح ملكهم ويعينهم على تصريفه.
وهذا
يرد فيه رد على من يعبدون القبور وهم يقولون: «نحن نعلم أنهم لا يضرون ولا ينفعون ولا يملكون من الأمر شيئًا، ولكن
لكونهم صالحين فإنهم يشفعون عند الله، ويقربونا إلى الله زلفى»،