وكان مِن قدَرِ الله وقضائِه أنْ جمَعَ مجْلِسَ المُذاكَرَة
بيْنَ مُثْبِتٍ للصِّفاتِ والعُلُوِّ وبيْنَ مُعَطِّلٍ لِذلك، فاستَطْعَمَ
المُعَطِّلُ المُثْبِت الحديثَ استِطْعامَ غيْرِ جائعٍ إليه، ولكنَّ غرَضَهُ
عَرْضُ بضاعتِه عليه، فقال له: ما تقولُ في القرآنِ ومسألةِ الاستواء؟ فقال
المُثْبِتُ: نقولُ فيها ما قاله رَبُّنا تبارك وتعالى وما قالَهُ نبِيُّنا صلى
الله عليه وسلم: نَصِفُ اللهَ تعالى بِما وصَفَ به نفْسَهُ وبما وصَفَهُ به
رسولُهُ مِن غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومِن غيرِ تَشْبِيهٍ ولا تمثيلٍ، بل نُثْبِتُ
له سُبحانه ما أثبتَهُ لنفسه من الأسماء والصِّفات، ونَنفِي عنه النقائِصَ
والعُيوب ومُشابهة المَخْلُوقات، إثباتًا بلا تَمْثِيلٍ، وتنزيهًا بلا تَعْطِيلٍ.
فمَنْ شَبَّهَ اللهَ بخَلْقِهِ فقدْ كَفَرَ، ومنْ جَحَدَ ما وصفَ اللهُ به
نَفْسَهُ فقد كَفَرَ، وليسَ ما وصفَ اللهُ به نفْسَهُ، أو ما وصفَهُ به رسولُهُ
تشبيهًا، فالمُشَبِّهُ يَعْبُدُ صنَمًا، والمُعَطِّلُ يعبدُ عَدَمًا، والمُوحِّدُ
يعبُدُ إلهًا واحدًا صمدًا ﴿لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡءٞۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ [الشورى: 11].
والكلامُ في الصِّفات كالكلامِ في الذَّاتِ، فكما أنَّا
نُثْبِتُ ذَاتًا لا تُشْبِهُ الذَّواتِ، فكذلك نقولُ في صفاتِه أنَّها لا تُشْبِهُ
الصِّفاتِ، فليس كمثلهِ شيءٌ لا في ذاتِه ولا في صفاتِه، ولا في أفعالِه، فلا
نُشَبِّهُ صفاتِ الله بصفاتِ المَخْلُوقين، ولا نُزِيلُ عنه سُبحانه صِفَةً من
صفاتِه لأجلِ تَشْنِيع المُشَنِّعِين، وتلقيب المُفْتَرِين، كما أنَّا لا نُبْغِضُ
أصحابَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِتَسْمِيَةِ الرَّوافِضِ لنا نَواصِبَ،
ولا نُكَذِّب بقَدَرِ الله، ولا نَجْحَدُ كَمَالَ مَشِيئَتِه وقُدْرَتِه
لِتَسْمِيَةِ القَدَرِيَّة لنا مجبرة.
ولا نجْحَدُ صِفاتِ رَبِّنا تبارك وتعالى لِتسمية
الجَهْمِيَّةِ والمُعْتَزِلة لنا مُجَسِّمَة مُشَبِّهَة حشوية، ورحمة الله على
القائل:
فإنْ كان تَجْسِيمًا ثبوتُ صِفاتِه **** فإنِّي بِحَمْدِ اللهِ لها مُثْبِتُ