لَهُ عُدَّتَهُ، وأخَذُوا مَصافَّهُم ووقَفُوا، وقد
حَمِيَ الوطيسُ، ودارتْ رَحى الحَرْبِ، واشتَدَّ القتالُ، وتنادَت الأقرانُ:
النِّزالَ النِّزالَ، وهو في المَلجأ والمغاراتِ، والمَدْخَل مع الخوالِف كَمِين.
وإذا ساعد القَدَر وعزمَ على الخُروج قعدَ فوقَ التَّلِّ مع النَّاظِرين، ينظرُ:
لمن الدائرة؟ ليكون إليهم من المُتحيِّزِين، ثم يأتيهم، وهو يُقسِمُ باللهِ جَهْدَ
أَيمَانه أنِّي كنتُ معكم، وكنتُ أتمنَّى أن تكُونوا أنتم الغالبين، فحقيقٌ بِمن
لِنَفْسِه عنده قَدْرٌ وقِيمَةٌ أن لا يَبِيعَها بأبخسِ الأثمان، وأنْ لا يعْرِضَها
غدًا بين يَدَيِ اللهِ ورسولِه لمواقف الخِزْي والهَوان، وأن يُثَبِّتَ قدَميْهِ
في صفوفِ أهل العلم والإِيمَان، وأن لا يتحيَّزَ إلى مقالة سِوَى ما جاءَ في السُّنَّةِ
والقُرآن، فكأن قدْ كُشِفَ الغطاءُ، وانجلى الغبارُ، وأبانَ عن وُجوه أهلِ
السُّنَّةِ مُسْفِرَة ضاحِكَة مُسْتَبْشِرَة، وعن وُجوه أهلِ البِدْعَةِ عليها
غَبَرَةٌ، ترهَقُها قتَرَةٌ، يومَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ.
قال ابنُ عباسٍ: تبْيَضُّ وُجوهُ أهلِ السُّنَّةِ،
وتَسوَدُّ وُجوهُ أهلِ البِدْعَة والفُرْقَةِ والضَّلالَةِ، فوَاللهِ لَمُفارَقَةُ
أهلِ الأهواءِ والبِدَع في هذه الدارِ أسهلُ مِن مُوافَقَتِهِم إذا قيلَ: ﴿ٱحۡشُرُواْ ٱلَّذِينَ
ظَلَمُواْ وَأَزۡوَٰجَهُمۡ﴾
[الصافات: 22].
قال أميرُ المؤمنين عُمرُ بْنُ الخطَّابِ، وبعده الإمامُ أحمَدُ: أزواجُهم: أشْباهُهُم ونُظَراؤُهم، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا ٱلنُّفُوسُ زُوِّجَتۡ﴾ [التكوير: 7]، قالوا: فيُجْعَلُ صاحِبُ الحقِّ مع نظيرِه في درجتِهِ، وصاحب الباطِل مع نظيرِه في درجتِه، هنالكَ واللهِ، يعَضُّ الظَّالِمُ على يدَيْهِ إذا حصلَتْ له حقيقةٌ ما كانَ في هذه الدار عليه، يقول﴿يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا ٢٨لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا ٢٩﴾ [الفرقان: 28- 29].