×
التعليق المختصر على العقيدة النونية الجزء الأول

المَوْرُوث عن خاتَمِ الرُّسُلِ والأنبياء لكنَّهُ مليءٌ بالشُّكُوكِ والشُّبَهِ والجِدال والمِراء، خلع عليه الكلامَ الباطل خلعةَ الجهلِ والتجهيلِ، فهو يتعَثَّرُ بأذيالِ التَّكفِير لأهلِ الحديث، والتَّبدِيع لهم والتَّضْلِيل. قد طافَ على أبوابِ الآراءِ والمَذاهب بِتَكَفُّفِ أرْبابِها، فانثنَى بأخْسَرِ المواهبِ والمَطالب، عدلَ عن الأبوابِ العالِية الكَفِيلة بنهاية المُراد وغاية الإحسان، فابتُلِيَ بالوقوفِ على الأبواب السافلةِ الملآنة بالخيبة والحِرمان، وقد لَبِسَ حُلَّةً منسوجةً مِن الجهلِ والتَّقليدِ والشُّبْهَة والعِناد، فإذا بُذِلَتْ له النَّصِيحةُ، ودُعِيَ إلى الحقِّ أخذتْهُ العِزَّةُ بالإثْمِ، فحَسْبُهُ جهَنَّمُ، ولَبِئْسَ المِهادُ.

فما أعْظَمَ المُصِيبةَ بهذا وأمثالِه على الإِيمَان، وما أشدَّ الجنايةَ به على السُّنَّةِ والقرآن، وما أحبَّ جهادَهُ بالقلبِ واليَدِ واللِّسانِ إلى الرَّحمنِ، وما أثْقَلَ أجْرَ ذلك الجهادِ في المِيزان، والجهادُ بالحُجَّةِ واللِّسان مُقَدَّمٌ على الجِهاد بالسَّيْفِ والسِّنان؛ ولهذا أمرَ به تعالى في السُّوَر المَكِّيَّةِ؛ حيث لا جهادَ باليدِ إنذارًا وتعذيرًا، فقال تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا [الفرقان: 52].

وأمر تعالى بجهادِ المنافقينَ والغلظةِ عليهم مع كَوْنِهم بينَ أظْهُرِ المُسلِمِين في المَقام والمَسِير، فقال تعالى ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَٰهِدِ ٱلۡكُفَّارَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱغۡلُظۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَمَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِيرُ [التوبة: 73]. فالجهادُ بالعِلم والحُجَّةِ جهادُ أنبيائِهِ ورُسُلِهِ وخاصَّتِه مِن عبادِه المَخْصُوصِين بالهدايةِ والتوفيقِ والاتفاق، ومَنْ مَاتَ، ولمْ يَغْزُ، ولَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بالغَزْوِ ماتَ على شُعْبَةٍ من النِّفَاقِ، وكفَى بالعبدِ عَمًى وَخِذْلانًا أنْ يَرَى عساكِرَ الإِيمَان وجُنودَ السُّنَّةِ والقرآنِ، وقد لَبِسُوا للحربِ لَأْمَتَهُ، وأعدُّوا


الشرح