فصل
****
وقضى بأن الله يجعلُ خَلْقَهُ **** عَدَمًا
ويَقْلِبُهُ وجودًا ثانِ
****
وهذه مقالة الجَهْم في البعث، يقول: إنَّ الله يُفني هذا الخلق ثمّ يعيد خلقَهُ من جديد على شكله وصورته الأولى لكن من عدم لا أنه يعيد نفسَ الخلق، بل يُفنيه ثمَّ يُوجدُه من عدم كما كان في الوجود الأول، وهذا قولٌ باطل؛ فإن هذا الخلق لا يفنى نهائيًّا، لكن تتغيَّر أوضاعُه وأوصافُه، ويتحلَّلُ، وتتفرَّقُ أجزاؤه، ثمّ إنَّ الله يجمع هذه الأجزاء وهذه الذرات وهذه المتفرّقات، يجمعها من أماكنها، ويُعيدها خلقًا جديدًا، فالذي يتغيَّرُ هو الصِّفة فقط، ليس الذي يفْنَى هو الحقيقة، وإنَّما هي صفة هذه الأشياء، السموات أيضًا تتغير وليس معناه: أنها تُعدم، والأرض تتغيّرُ لكن ليس معناه: أنَّها تُعدم بل تتغيَّرُ أوضاعُها وصِفتُها، هذه هي الإعادة عند الله سبحانه وتعالى، وأمّا أن يُعيدَها مِن عدم فهذا قولٌ باطلٌ، وأيضًا: يلزم على هذا أنه إذا فَنِيَ الكفارُ، وفنِيَ العُصاة، وأُعيدوا إعادة جديدة، أن الله يُعذِّب عَالَمًا لم يحصل منهم كفرٌ ولا معاصٍ، مادام أنهم فَنُوا، واضمحلُّوا، وذهبوا ثم أُعيدوا من عدَم كما يقول، فإنه يُعذِّب هؤلاء الذين أُعِيدوا على غيرِ ذنوب حصلت منهم؛ لأنَّ الذين حصلت منهم الذنوب فَنُوا، وذهبوا، وانقطعوا، يلزم على مذهبه الباطل هذا الحكم الجائر في حقِّ الله عز وجل، فالله جل وعلا لا يُفني هذه المخلوقات إفناء عدم واضمحلال، وإنّما يُفنيها إفناء تفرُّقٍ، وتفتُّت وتمزُّق، حتى إنها تكون أشياء صغيرة متفرقة، ثمّ يُعيدها الله جل وعلا،
الصفحة 1 / 445