هذا
من بابِ التحدُّثِ بنعمةِ اللهِ عز وجل. واللهُ جل وعلا يقولُ لمحمد صلى الله عليه
وسلم: ﴿عَسَىٰٓ أَن
يَبۡعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامٗا مَّحۡمُودٗا﴾
[الإسراء: 79]. يحمَدُهُ الأولون والآخرون، فالتفضيلُ الذي هو من بابِ التحدُّثِ
بنعمةِ اللهِ وبيانِ مراتبِ الأنبياءِ -عليهم الصلاةُ والسلامُ- من غيرِ افتخارٍ
ومن غيرِ تنقُّصٍ للمفضولِ لا بأسَ به، أمَّا ما كان عكس ذلك فإنَّه لا يجوز،
فمُرادُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «لاَ
تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» هو نفيُ التفاخُرِ ونفيُ تنقُّصِ
المفضول، فإنَّ يونسَ عليه السلام جَرى عليه امتحان ﴿فَٱلۡتَقَمَهُ ٱلۡحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٞ﴾ [الصافات: 142] يعني آتٍ بما يُلام عليه، قال: ﴿وَذَا ٱلنُّونِ
إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ﴾ [الأنبياء: 87]، فامتحنَ عليه الصلاة والسلام، ولكنَّه
تاب إلى اللهِ عز وجل ﴿فَنَادَىٰ
فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء: 87] والتائبُ إذا تابَ من الذنبِ فهو كمَن
لا ذنبَ له، وتكونُ حالُهُ بعد التوبةِ أحسنَ من حالِه قبلَ الوقوعِ في الذَّنْب،
فالعِبرةُ بكمالِ النهايةِ لا بنَقْصِ البداية، فلا يقَعُ في خاطِرِ مؤمنٍ تنقُّصٌ
ليونُسَ عليه السلام، فإنَّ الأنبياءَ -عليهم الصلاةُ والسلامُ- هم أكملُ الخلْقِ
ولا يجوزُ تنقُّصُهم وإنْ حصلَ لبعضِهم بعضُ الامتحان، فإن هذا لا يقتضِي تنقُّصُه
ولا ذَمُّه أو الكلامُ فيه؛ لأن هذا كفر، مَن تنقَّصَ أحدًا من الأنبياءِ كفَر.
هذا هو مرادُ النبي صلى الله عليه وسلم، فليس مُرادهُ ما
يقولُه هذا الضَّالُ من نَفْي العُلو، وأنَّ اللهَ في كلِّ مكان، هذا زَعْمٌ باطل.
وقوله: «يونس ذلك الغضبان» أخذًا من قولِه تعالى: ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا﴾ [الأنبياء: 87] غضِب على قومِه ولم يصْبر.