وهو استدلالٌ مُضحكٌ في الحقيقة، فإنَّ قصدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في قوله: «لاَ تُفْضِّلُونِي عَلَى يُونُس» أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يريدُ التفضيلَ بين الأنبياءِ من بابِ العصبية؛ لأنَّ هذا يؤدِّي إلى النزاعِ والتفاخُر، فلا يجوزُ التفضيلُ الذي يؤدِّي إلى النزاعِ والتفاخُر، وإلا فلا شَكَّ أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أفضلُ النبيين، وأنَّه أفضلُ من يونسَ عليه السلام وأفضلُ من غيرِه، لكنَّ الرسولَ لا يريدُالعصبيةَ ولا يريد الفخر؛ لأن الناسَ يختصِمون، كلٌّ يقول: نبيُّنا أفضلُ من نبيِّكم، وهذا لا يجوز؛ لمَا فيه من تنقُّصِ المَفضول، ولمَّا كان أحدُ الصحابةِ تخاصمَ مع أحدِ اليهودِ في محمدٍ وموسى كليمِ اللهِ أيُّهم أفضل؟ غضِب النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال: «لاَ تُفَاضِلُوا بَيْنَ الأَنْبِيَاء» ([1]) فالتفضيلُ الذي مصدرُهُ الفخرُ والعصبيةُ لا يجوز، أمَّا أن الأنبياءَ بعضُهم أفضلُ من بعضٍ فهذا مما لا شَكَّ فيه، قال تعالى: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ مِّنۡهُم مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُۖ وَرَفَعَ بَعۡضَهُمۡ دَرَجَٰتٖۚ﴾ [البقرة: 253] فلا شَكَّ أنَّ الأنبياءَ بعضُهم أفضلُ من بعضٍ، ولكن هذا لا يقتضِي نقِيصَةَ المفضولِ منهم عليهمُ الصلاةُ والسَّلام، فإذا كان تفضيلُه من بابِ الافتخارِ وتنقُّصِ المفضولِ فهذا حرامٌ وقد يكونُ كفرًا، أمَّا إذا كان التفضيلُ من بابِ التحديثِ بنعمةِ اللهِ وبيانِ مراتِبِ الأنبياءِ من غيرِ تعصُّبٍ ومن غيرِ تفاخُرٍ ومن غيرِ تنقُّصٍ للمفضُول، فهذا لا بأسَ به؛ لأنَّ اللهَ أخبرَ بذلك فقال: ﴿تِلۡكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلۡنَا بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۘ﴾ [البقرة: 253] والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْر» ([2])
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3414)، ومسلم رقم (2373).