الإِمامُ أبو محمَّدٍ عليُّ بنُ أحمدَ بنِ سعيدِ
بنِ حزمٍ الأندلسيِّ منْ أكابرِ علماءِ الأندلُسِ وحُفَّاظِ الحديثِ، وله مشاركةٌ
في علومٍ كثيرةٍ كالفقْهِ والحديثِ والتَّاريخِ والأصولِ وغيرِ ذلك، فمَقَامُه في
العِلمِ لا يُنكَرُ ولكن يُؤْخَذُ عليه أشْياءُ، وكان شَافعيًّا، ثمَّ إنَّه
اعتَنَقَ المذْهَبَ الظَّاهريَّ فصارَ ظاهريًّا، والمَذهَبُ الظَّاهريُّ هو
الأَخْذُ بظاهرِ النُّصوصِ دونَ نظرٍ إلى العِلَلِ والقياسِ والمقاصدِ، وهو مذهَبُ
داودَ بنِ عليٍّ الظَّاهريِّ الإمامِ المعروفِ، وتَبِعَه على هذا المذهَبِ
طَوَائفُ يُسَمَّوْنَ بالظَّاهريَّةِ؛ لأنَّهم يأخذونَ بظواهرِ النُّصوصِ فقط،
ولهم شَطَحَاتٌ وقَعُوا فيها بسَبَبِ هذا المذْهَبِ، فاعتنقَه هذا الإمامُ
ودَافَعَ عنه بما أُوتِيَ مِن قُوَّةِ البيانِ والحُجَّةِ والفصاحةِ، وله كِتابٌ
مشهورٌ في الفقْهِ والحديثِ اسمه «المُحلَّى شرْحُ المُجلَّى»، وهو كتابٌ مشهور
وفيه علمٌ غزيرٌ، ولكنْ فيه حدَّةٌ في نقْدِ خُصومِه، وتهجُّمٌ على أصحابِ
المذاهِبِ الأربَعَة شوَّهَتْ كتابَه هذا، وإلا ففيه علمٌ غزيرٌ لو خلا من حدَّةِ
اللهْجَةِ وشدَّةِ الطَّعْنِ في خُصومه، لو خلا من ذلك لكان كتابُه مفيدًا جدًّا،
هذا الإمام غَلطَ في مسألةِ القرآن، وجَمَعَ بين مذهبِ الأشاعرةِ ومذاهبَ أخرى
خَلَطَ فيها، فيقول: القرآنُ ليسَ قُرآنًا واحِدًا، هناك أربعةُ قُرآناتٌ: بعضُها
مخلوقٌ وبعضُها غيرُ مخْلوقٍ، فالقرآنُ يُطلقُ على أشياءَ:
يُطلَقُ على ما في المصاحفِ منَ المكتوبِ، ويُطلَقُ على ما يُتْلَى بالألْسُنِ.