والجسمُ ما يقوم بنفسه،
فبنوا عقيدتَهم على الجسم وعلى العرض، وغيرِ ذلك من التَّوهُّمَاتِ الباطلةِ،
وتركوا الكتابَ والسُّنَّةَ، وهذا هو الضَّلالُ المبينُ والعياذُ بالله، ولا يشتغل
مسلمٌ بعلم الجدل ويترك الاشتغالَ بعلم الكتابِ والسُّنَّةِ إِلا من أَضلَّه اللهُ
عز وجل، وكان سلفُ هذه الأُمَّة يسير على الكتابِ والسُّنَّة، إِلى أَنْ عُرِبَتْ
الكُتُبُ الرُّوميَّةُ في عهد المَأْمُونِ وجاءَ علمُ المنطق وعلمُ الجدل، فحَدَثَ
الشَّرُّ في الأُمَّةِ من ذاك التَّاريخ وبنى كثيرٌ منهم عقائِدَهم على علم الجدل
والمنطق.
قولُه: «والجلوسَ إِلى أَصْحاب الكلام» احْذَرْ من تعلُّمِ علمِ الكلام والنَّظرِ فيه؛ لئَلاَّ تفتنَ فيه وتعجبَ به، واحْذَرْ مجالسةَ علماءِ الكلام، وجالسْ أَهْلَ الحديث، وأَهْلَ العلم، ولا تجالس علماءَ الكلام؛ لئَلاَّ يُؤَثِّرُوا عليك، ويُزهِّدُوك في علم الكتابِ والسُّنَّةِ، فمجالسةُ الأَشْرار تُؤَثِّرُ على الجليس؛ ولهذا شبه صلى الله عليه وسلم الجليسُ الصَّالحُ بحامل المِسْك، قال صلى الله عليه وسلم: «فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ» يعني: يعطيك من مِسْكِه، «وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً» أَيْ: مدَّة جلوسِك عنده، وشُبِّهَ الجليسُ السُّوءِ بنافخِ الكِيْرِ، «إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً» ([1]) هذا مثلُ الجليس الصَّالحِ وجليسِ السُّوءِ، وعلماءِ الكلام من جلساءِ السُّوءِ فلا تجلس معهم فإِنَّهم يفسدون عقيدتَك، ويُزهِّدُونك بكتابِ الله وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1995)، ومسلم رقم (2628).
الصفحة 2 / 199