×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

قال المُؤلِّف رحمه الله: ولا تَطلُب من عندك حِيلة تَرُدّ بها على أهلِ البِدَع، فإنك أُمِرت بالسُّكوت عنهم، ولا تُمكِّنهم من نَفْسك، أما عَلِمتَ أن مُحمدَ بن سِيرين رحمه الله مع فَضله لم يُجِب رجلاً من أهلِ البِدَع في مسألةٍ واحدةٍ، ولا سَمِعَ منه آيةً من كتابِ اللهِ عز وجل، فقِيل له، فقَال: «أخافُ أن يُحَرِّفها فيَقَع في قَلبي شيءٌ». 

**********

فيكونُ المُراد بالكُفر في قَوله: «وَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا» الكُفْر الأَصْغَر الذِي لا يُخرِج من المِلَّة.

وكَذلك في قَوله تَعالى: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ [الحجرات: 9] من المُؤمنين، دَلَّ على أنَّه لا يزولُ الإيمانُ بالاقتِتال بينَ المُؤمنين، وإنما هذا كبيرةٌ من كَبائر الذُّنوب وهو كُفرٌ أصغرُ، ثم قالَ: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ [الحجرات: 10] جعلَ المُتقاتلين إخوةً، فلا بُد من التَّرَوِّي في هَذه الأمورِ والتفقُّه في دينِ اللهِ، وأخذِ العلمِ من مَصادره وعن حَمَلَتِه.

وكما أن في القُرآن آياتٍ مُتشابهةً فكذلك في الحَدِيث أحاديثُ متشابهةٌ يُرَدُّ بعضُها إلى بعضٍ، فيوضِّح بعضُها بعضًا، ويفسِّر بعضُها بعضًا.

قولُه: «ولا تَطلُب من عندك حِيلة تَرُدّ بها على أهلِ البِدَع» إذا أردتَ أن تَرُدّ على أهلِ البِدَع، فلا تَرُد عليهم بجهلٍ فإن هذا يَزيد البلاءَ بلاءً، فلا تَرُد عليهم إلا بعلمٍ، إذا كان عِندك علمٌ واستعدادٌ لمعرفةِ الردِّ فرُدَّ وإلا فلا تَدخُل في هذا المَيْدَان، فيكُون ما تُفسِد أكثرَ مما تُصلِح، لا تَرُدّ عليهم بهَوَاكَ أو بما يَتَرَاءَى لك من الفِكر، لا تَرُد إلا بعلمٍ، وإلا فتَوقَّفْ.


الشرح