قولُه: «فإنك أُمِرت بالسُّكوت عنهم»
إذا لم يكُن عندك علمٌ فاسكتْ، نَعَمْ اكْرَهْ ما هم عليه وأَنْكِره بقَلبك لكن لا
تَدْخُل معهم في ردٍّ بدُون علمٍ فيكُون ما تُفسِد أكثرَ مِمَّا تُصلِح.
قولُه: «ولا تُمكِّنهم من نَفسِك»؛
لأنك إذا رَدَدْتَ بجهلٍ مَكَّنْتَهم من أنهم يَرُدُّون عليك ويتغلَّبون عليك،
ويَذكُرون الأخطاءَ التِي وقعتَ فيها فتكُون أنت المُخطِئ، لكِن إذا رددتَ بعلمٍ
وحُجَجٍ ما استطاعُوا أنهم يَرُدُّون عليك.
قولُه: «أما عَلِمتَ أن مُحمدَ بن سِيرين
رحمه الله مع فَضله لم يُجِب رجلاً من أهلِ البِدَع في مسألةٍ واحدةٍ» مُحمد
بن سِيرين من كِبار التابعينَ ومن أهلِ العِلْم المَشهُورين، ومع هَذا لم يَدخُل
في الردِّ على هذا الرَّجُل؛ لأنه يَرَى أن الردَّ عليه لا يُجْدِي، لأن سُؤاله
ليس سُؤال علمٍ وإنما سُؤال تَعَنُّتٍ، وهذا من الحِكْمَة، لأن قصدَ أهلِ الشرِّ
أن يُثِيروا الشرَّ، فهو لما أَدْرَكَ منهم هذا وأنهم ليسُوا مُسترشِدين ولا
طالبينَ للحَقّ وإنما يُرِيدون التَّشْوِيش سَكَتَ عنهم وتَرَكَهم، والشاعرُ
يقولُ:
إِذَا نَطَقَ السَّفِيهُ فَلاَ تُجِبْهُ **** فَخَيْرٌ
مِنْ إِجَابَتِهِ السُّكُوتُ
قولُه: «ولا سَمِع منه آيةً من كِتاب
اللهِ عز وجل » إذًا مَن يقولُ: أُسْمِعُك آيةً أو نُرِيد أن نَبْحث في
مَعناها. وهو يَعرِف مَقصوده وأنه ليسَ قَصْدُه الاسترشادَ فإنه لا يُجِيبه، ولا
يفسِّر له الآيةَ.
«فقِيل له، فقَال: أخافُ أن
يُحرِّفها فيَقع في قَلبي شيءٌ» إذا فتحَ له المَجال ربَّما يَقعُ في قلبِ ابن
سِيرين شيءٌ من شُبُهَاته فهو يُرِيد سَدَّ هذا البابِ.