قالَ
المُؤلِّف رحمه الله: وإذا سمعتَ الرجلَ تَأتيه بالأثرِ فلا يُرِيده، ويُرِيد القُرآن
فلا تَشُكّ أنه رَجُل قد احتوَى على الزَّنْدَقَة، فقُمْ من عِنده ووَدِّعْهُ.
**********
وقوله: «وعَرِّفْهُ، فإن جلسَ معه
بعد ما عَلِم فاتَّقِه، فإنه صَاحب هوًى» مَعناه أنك تُناصحه عن مجالسةِ أهلِ
الشرِّ، فإن لم يَقبل النُّصح فاعتزِلْه؛ لأنه جلسَ مع صاحبِ البِدعة عن علمٍ، لا
عن جَهلٍ.
هناك جماعةٌ يُسَمَّوْن القُرْآنِيَّة، لا يَحْتَجُّون إلا
بالقُرْآن بزَعْمِهم، ويَرْفُضون السنَّة، وهؤلاء زَنَادِقَة، لأن العَمَلَ
بالسنَّة عَمَلٌ بالقُرآنِ، قالَ تَعالى: ﴿وَمَآ
ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ﴾ [الحشر: 7]، ولأن
السنَّة مُفسِّرة للقُرآن، ومُبيِّنةٌ له، قالَ تَعالى: ﴿بِٱلۡبَيِّنَٰتِ
وَٱلزُّبُرِۗ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ
إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44]،
وهؤلاء القُرآنِيَّة قد أَخْبَرَ عنهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: «رُبَّ رَجُلٍ شَبْعَانَ عَلَى أَرِيكَتِهِ،
يَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللهِ، فَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ
أَحْلَلْنَاهُ، وَمَا كَانَ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ» قال صلى الله
عليه وسلم: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ
الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» ([1])، واللهُ جل وعلا
يقول: ﴿وَمَا
يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ﴾ يَعني الرَّسُول صلى الله عليه وسلم ﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ
يُوحَىٰ﴾ [النجم: 3- 4]، فالأحادِيث وَحْيٌ من اللهِ جل وعلا،
وإن كانتْ ألفاظُها من الرَّسُول، لكن مَعانِيها من اللهِ جل وعلا.
فهذا الذِي يَحْتَجّ بالقُرآن -بزَعْمِه- ولا يَحْتَجّ بالسنّة، زِنْدِيقٌ، يعني مُنافق، الزِّنْدِيق يُراد به المُنافق، هذا مَعنى قَوله: «قد احتوَى على الزَّنْدَقَة».