×
إِتْحافُ القاري بالتَّعليقات على شرح السُّنَّةِ لِلْإِمَامِ اَلْبَرْبَهَارِي الجزء الثاني

ومَن قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ. فهو جهميٌّ، ومن سكت فلم يقل: مخلوقٌ أَوْ غيرُ مخلوقٍ، فهو جهميٌّ، وهكذا قال أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ. وقال رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُْمُورِ، فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ، وَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» ([1])

**********

 أَثْبَتَ اللهُ لنفسِه الكلامَ في آياتٍ كثيرةٍ، منها: قولُه: ﴿قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادٗا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدٗا [الكهف: 109]، أَيْ: كلماتُ الله التي يأْمر بها وينهى، ويُدبِّرُ بها الكونَ، من يحصي كلمات الله سبحانه وتعالى ما تكتبها البحارُ، ولا الأَقْلامُ كلُّها.

وكلامُ الله - كما يقول أَهْلُ السُّنَّةِ والجماعةِ - قديمُ النَّوع حادثُ الآحاد، فالقُرْآنُ من آحاد كلامِ الله، ومن أَفْرادِ كلامِ الله سبحانه وتعالى، فكلامُ الله ثابتٌ بكتاب الله وسُنَّةِ رَسُولِه صلى الله عليه وسلم، ولا شكَّ أَنَّ العقولَ السليمةَ تُثْبِتُ الكلامَ لله؛ لأَنَّه صفةُ كمالٍ ونَفْيُهُ صفةُ نقصٍ، لكنَّ الجهميَّةَ وهُمْ أَتْباعُ الجَهْمِ بنِ صَفْوَانَ وهو خبيثٌ ظهر على النَّاس يُشكِّكهم في دِيْنِ الله، ويأْمرهم بالإِلْحادِ والكفرِ، ومن ذلك أَنَّه شكَّكهم في أَنَّ الله يتكلَّم، وقال: كلامُ الله الموجودُ مخلوقٌ، خَلَقَه في اللَّوح، أَوْ خَلَقَه في جِبْرِيْلَ، أَوْ خَلَقَه في مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فهو من إِضافة المخلوق إِلى خالقه، مثل: بَيْتِ الله، ناقةِ الله؛ هكذا يقول قبَّحه الله، يقول: الله لا يتكلَّم، وإِضافةُ الكلام إِليه إِضافةُ مخلوقٍ إِلى خالقِه.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (4607)، والترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (46)، وأحمد رقم (17144).