قال أَبُو
الْعَبَّاسِ: نفى الله عمَّا سِواه كلَّ ما يتعلَّق به المُشركون، فنفى أن يكون
لغيره مُلْكٌ أو قِسطٌ منه، أو يكون عونًا لله، ولم يبق إلاَّ الشَّفاعة، فبيَّن
أنَّها لا تنفع إلاَّ لمن أَذِنَ له الرَّبُّ، كما قال: ﴿وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرۡتَضَىٰ﴾ [الأنبياء: 28]. فهذِه الشَّفاعة التي يظُنُّها المُشركون هي منتفيةٌ
يومَ القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يأتي
فيسجدُ لربِّه ويحْمَده - لا يبدأ بالشَّفاعة أوَّلاً - ثم يُقال له: «ارْفَعْ
رَأْسَكَ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ»([1]).
وقال أَبُو
هُرَيرَةَ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ قَالَ: «مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ
إلاَّ اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ»([2]).
فتلك الشَّفاعةُ
لأهل الإخلاص بإذنِ الله، ولا تكون لمَنْ أشرك بالله، وحقيقته أنَّ الله سبحانه هو
الذي يتفضَّل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دُعاء من أُذِن له أن يشفع؛
ليُكرمه وينالَ المقامَ المحمودَ.
فالشَّفاعة التي
نفاها القرآن ما كان فيها شِرْكٌ، ولهذَا أثبت الشَّفاعة بإذنه في مواضعَ، وقد
بيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّها لا تكون إلاَّ لأهل التَّوحيد والإخلاصِ.
انتهى كلامه.
****
«أَبُو الْعَبَّاسِ» هو: شيخ الإِسْلام تقيُّ الدِّين أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بنِ عَبْدِ السَّلاَمِ ابنِ تَيْمِيَّة، الإمامُ المشهورُ، صاحبُ المُصنَّفات المُفيدةِ، كانت وفاته سنة 728هـ رحمه الله.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3340)، ومسلم رقم (194).