وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الاسْتِعَاذَةُ فِي سُورَةِ «النَّاسِ» وَسُورَةِ «الفَلَقِ» بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى
الثَّلاَثَةِ: «الرَّبِّ، وَالمَلِكِ،
وَالإِلَهِ»؛ فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ: {قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ} كَانَ فِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّهُ
خَالِقُهُمْ وَفَاطِرُهُمْ، فَبَقِيَ أَنْ يُقَالَ: لَمَّا خَلَقَهُمْ؛ هَلْ
كَلَّفَهُمْ وَأَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ؟ قِيلَ: نَعَمْ، فَجَاءَ: {مَلِكِ ٱلنَّاسِ}؛ فَأَثْبَتَ الخَلْقَ
وَالأَمْرَ، فَلَمَّا قِيلَ ذَلِكَ، قِيلَ: فَإِذَا كَانَ رَبًّا مُوجِدًا
وَمَلِكًا مُكَلِّفًا، فَهَلْ يُحَبُّ وَيُرْغَبُ إليهِ وَيَكُونُ التَّوَجُّهُ
إِلَيْهِ غَايَةَ الخَلْقِ وَالأَمْرِ؟ قِيلَ: {إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ}، أَيْ: مَأْلُوهُهُمْ
وَمَحْبُوبُهُمُ الَّذِي لاَ يتَوَجَّهُ العَبْدُ المَخْلُوقُ المُكَلَّفُ
العَابِدُ إِلاَّ لَهُ؛ فَجَاءَتِ الإِلَهِيَّةُ خَاتِمَةً وَغَايَةً، وَمَا
قَبْلَهَا كَالتَّوْطِئَةِ لَهَا، وَهَاتَانِ السُّورَتَانِ أَعْظَمُ عَوْذَةٍ فِي
القُرْآنِ.
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الاسْتِعَاذَةُ فِي
سُورَةِ «النَّاسِ» وَسُورَةِ «الفَلَقِ»
بِالأَسْمَاءِ الحُسْنَى الثَّلاَثَةِ: «الرَّبِّ،
وَالمَلِكِ، وَالإِلَهِ» في قوله تعالى: {قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلۡفَلَقِ} [الفلق: 1]، وقوله: {قُلۡ أَعُوذُ
بِرَبِّ ٱلنَّاسِ ١مَلِكِ ٱلنَّاسِ ٢إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ ٣} [الناس: 1- 3].
{بِرَبِّ ٱلنَّاسِ}معناه: الخالق، الرازق،
المحيي، المدبر.
{مَلِكِ ٱلنَّاسِ} معناه: الآمر،
الناهي، المشرع.
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ}معناه: الذي يستحق العبادة
وحده سبحانه وتعالى.
فهذا فيه إثبات أنواع التوحيد الثلاثة في سورة «الناس»، كما أن سورة «الفاتحة» فيها أنواع التوحيد الثلاثة في أولها: {ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٣مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ ٤إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ ٥} [الفاتحة: 2- 5]؛ ففيها أنواع التوحيد الثلاثة،