والصنف
الثاني:
الذين يبنون المساجد على القبور، وهؤلاء من شرار الناس في كل زمان ومكان، وليس عند
قيام الساعة فقط؛ بل في كل زمان، ولكن هؤلاء تقوم عليهم الساعة.
ولما
نزل به الموت صلى الله عليه وسلم وصار في الاحتضار والرمق الأخير، ما نسي الوصية
لأمته؛ بل أوصاهم بالتوحيد، وإفراد الله بالعبادة.
وقال
صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ» يعني: من الأمم، من اليهود والنصارى.
«إِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ
كَانُوا يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَسَاجِدَ؛ فَلاَ تَتَّخِذُوا القُبُورَ
مَسَاجِدَ؛ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ»، خشي أن يتخذوا قبره مسجدًا كمن
سبقهم مع قبور الأنبياء، وهذا من كمال نصحه صلى الله عليه وسلم، فلم يشغله الموت
عن ذلك؛ لأنه خشي أنه إذا مات يتبعون فيه سنة من قبلهم، فيبنون عليه ويتخذونه
مسجدًا، وهذا من نصيحته صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك دفنه الصحابة رضي الله عنهم في
بيته؛ في حجرة عائشة رضي الله عنها التي مات فيها، ولم يخرجوه للبقيع مع الصحابة؛
لأنه خشي أن يتخذ مسجدًا لو برز؛ فحمي قبره عن الناس بالجدران، وبالحجرة النبوية،
وكانت الحجرة خارج المسجد مجاورة للمسجد في عهد الخلفاء الراشدين، وفي عهد معاوية
والقرون المفضلة، فلما جاء الوليد بن عبد الملك في دولة بني أمية، وأراد أن يوسع
المسجد النبوي، فأدخل فيه الحجرة بإشراف عمر بن عبد العزيز أمير المدينة في عهده،
ولم يكن هذا بمشورة أهل العلم، ولا برأيهم، وإنما هو رأي رآه السلطان ونفذه،
فالأصل أن قبره صلى الله عليه وسلم ليس بالمسجد؛ لأن هناك من يشبه على الناس الآن
ويقول: «هذا قبر النبي في المسجد»!
والحقيقة أنه ما بني عليه المسجد؛