فَلِمَ كَانَ هَذَا القَدْرُ مُوجِبًا لِسَخَطِ
اللهِ - تَعَالَى - وَغَضَبِهِ، وَمُخَلِّدًا فِي النَّارِ، وَمُوجِبًا لِسَفْكِ
دِمَاءِ أَصْحَابِهِ وَاسْتِبَاحَةِ حَرِيمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ؟
وَهَلْ
يَجُوزُ فِي العَقْلِ أَنْ يُشَرِّعَ اللهُ - تَعَالَى - لِعِبَادِهِ التَّقَرُّبَ
إِلَيْهِ بِالشُّفَعَاءِ وَالوَسَائِطِ؛ فَيَكُونُ تَحْرِيمُ هَذَا إِنَّمَا
اسْتُفِيدَ بِالشَّرْعِ فَقَطْ، أَمْ ذَلِكَ قَبِيحٌ فِي الشَّرْعِ، وَالعَقْلُ
يَمْنَعُ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ شَرِيعَةٌ مِنَ الشَّرَائِعِ ؟ وَمَا السِّرُّ فِي
كَوْنِهِ لاَ يُغْفَرُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الذُّنُوبِ؛ كَمَا قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ
لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُُۚ} [النساء: 48].
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«فَلِمَ كَانَ هَذَا القَدْرُ مُوجِبًا
لِسَخَطِ اللهِ - تَعَالَى - وَغَضَبِهِ، وَمُخَلِّدًا فِي النَّارِ، وَمُوجِبًا
لِسَفْكِ دِمَاءِ أَصْحَابِهِ وَاسْتِبَاحَةِ حَرِيمِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ؟»
يقولون: «إن قصدنا تعظيم الله، واتخذنا
هؤلاء الشفعاء ليقربونا إلى الله زلفى، وليشفعوا لنا عند الله، فلماذا تكفروننا
وتقاتلوننا وتسفكون دماءنا وتسبون نساءنا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع
المشركين، قاتلهم وهم يقولون: {هَٰٓؤُلَآءِ
شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ} [يونس:
18]، {لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ
زُلۡفَىٰٓ} [الزمر: 3] »؟.
والرد
عليهم أن يقال: «هل يجوز في العقل أن
يشرع الله -تعالى- لعباده التقرب إليه بالشفعاء والوسائط»؟!
فـ
«هل يجوز في العقل» قبل الشرع؟
فالفطر
تنكر أن الله سبحانه وتعالى بحاجة إلى الوسطاء والشفعاء؛ لأنه يعلم كل شيء، ولأنه
أرحم الراحمين، فلا يحتاج إلى من يؤثر عليه ويعطفه على الناس، هذا في ملوك الدنيا،
أما الله عز وجل فليس بحاجة إلى من يعطفه على عباده، ويؤثر عليه في نفع عباده، فهو
يريد هذا سبحانه وتعالى: يريد الرحمة بعباده،