قوله
رحمه الله: «وَلاَ
قَدَرَه اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ أَضْدَادُ هَؤُلاَءِ» الذين على النقيض من
المعتزلة، وهم الجبرية؛ يقولون: العبد ليس له إرادة أصلاً ولا مشيئة، وإنما هو
محرك، مسير، ولا مخير، وأنه يفعل الطاعات بغير اختياره، وبغير قدرته، ويفعل
المعاصي بغير قدرته وبغير اختياره! إذن يسيئون الظن بالله؛ لأنه يعذبهم على شيء
ليس من فعلهم، وأن الله ظلم العبد بحيث عذبه بشيء ليس له فيه دخل، وإنما هو
محرَّك، ليس باختياره! هذا قول الجبرية والعياذ بالله، وهم على النقيض من القدرية.
وأهل السنة والجماعة توسطوا؛ فقالوا: العبد له مشيئة وله إرادة، ولكنها لا تخرج عن مشيئة الله عز وجل وإرادته، والعبد يقدر على فعل الخير وترك الشر، هو المطيع وهو العاصي بفعله وإرادته ومشيئته، ولو شاء ما عصى، ولو شاء ما زنى، ولو شاء ما سرق؛ فالعبد يفعل الخير بمشيئته، ويفعل الشر بمشيئته، ولكنها بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} [التكوير: 29]، والله علق العقوبات على أفعال العباد، على الكفر والشرك، والمعاصي والذنوب، وعلق الثواب على الطاعات والحسنات؛ فالجزاء ما علق بالقضاء والقدر، وإنما علق بأفعال العباد، يجزيهم بأعمالهم، أو يجازيهم عليها؛ ولذلك الذي لا قدرة له ولا مشيئة له -وهو المجنون والصغير والنائم- لا يؤاخذ؛ لأنه ليس له قدرة ولا مشيئة، فلا يؤاخذ إذا حصل شيء منه، لا يؤاخذ على هذا: {لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ} [البقرة: 286]، وكذلك المكره؛ فالمكره لا يؤاخذه الله؛ لأنه بلا اختيار.