النَّوْعُ الثَّانِي: مَنْ لَهُمْ عِبَادَاتٌ
وَأَوْرَادٌ، وَلَكِنْ حَظُّهُمْ نَاقِصٌ مِنَ التَّوَكُّلِ وَالاسْتِعَانَةِ،
لَمْ تَتَّسِعْ قُلُوبُهُمْ لاِرْتِبَاطِ الأَسْبَابِ بِالقَدَرِ، وَأَنَّهَا
بِدُونِ الْقَدَرِ كَالمَوَاتِ الَّذِي لاَ تَأْثِيرَ لَهُ، بَلْ كَالعَدَمِ
الَّذِي لاَ وُجُودَ لَهُ، وَأَنَّ القَدَرَ كَالرُّوحِ المُحَرِّكِ لَهَا، وَالمعولُ
عَلَى المُحَرِّكِ الأَوَّلِ؛ فَلَمْ تَنْفَذْ بَصَائِرُهُمْ مِنَ السَّبَبِ إِلَى
المُسَبَّبِ، وَمِنَ الآلَةِ إِلَى الفَاعِلِ؛ فَقَلَّ نَصِيبُهُمْ مِنَ
الاسْتِعَانَةِ.
وَهَؤُلاَءِ
لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ التَّصَـرُّفِ بِحَسبِ اسْتِعانَتِهِمْ وَتَوَكُّلِهِمْ،
وَنَصِيبٌ مِنَ الضَّعْفِ وَالخِذْلاَنِ بِحَسَبِ قِلَّةِ اسْتِعَانَتِهِمْ
وَتَوَكُّلِهِمْ، وَلَوْ تَوَكَّلَ العَبْدُ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ فِي
إِزَالَةِ جَبَلٍ عَنْ مَكَانِهِ لَأَزَالَهُ.
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«النَّوْعُ الثَّانِي: مَنْ لَهُمْ
عِبَادَاتٌ وَأَوْرَادٌ، وَلَكِنْ حَظُّهُمْ نَاقِصٌ مِنَ التَّوَكُّلِ
وَالاسْتِعَانَةِ، لَمْ تَتَّسِعْ قُلُوبُهُمْ لاِرْتِبَاطِ الأَسْبَابِ
بِالقَدَرِ» وهؤلاء أخف من القدرية، عندهم عبادة، وعندهم نوع من الاستعانة في
بعض الأمور، ولا يستعينون بالله في كل أمورهم، فعندهم نقص في الاستعانة والتوكل
على الله سبحانه وتعالى.
قوله
رحمه الله:
«قَلَّ نَصِيبُهُمْ مِنَ الاسْتِعَانَةِ»
يعني: هؤلاء ليسوا محرومين من الاستعانة، لكنهم مقصرون فيها.
قوله رحمه الله: «وَلَوْ تَوَكَّلَ العَبْدُ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ فِي إِزَالَةِ جَبَلٍ عَنْ مَكَانِهِ لَأَزَالَهُ» لو توكل على الله توكلاً حقيقيًّا حق توكله؛ لأعانه الله على الصعاب والمشاق، حتى الجبال يزيلها الله له، من الذي ألان الحديد لداود؟ ألانه الله له؛ لأنه متوكل على الله عز وجل.