لا تتزوج النساء؛ فهذا يشغلك، لا
تطلب العلم؛ فهذا يشغلك عن العبادة»، فيستحسن هذا، كما في حديث الذين جاؤوا يسألون عن
عمل النبي صلى الله عليه وسلم، وهم من الصحابة رضي الله عنهم وكأنهم تَقَالُّوا
عمل الرسول، «فلما أخبروا كأنهم تقالوها،
فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟! قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه
وما تأخر» أي: فهو قليل العمل؛ لأنه مغفور له، أما نحن فبحاجة إلى الزيادة، «قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا،
وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا»،
وفي رواية: «وقال بعضهم: لا آكل اللحم ([1])، وكل هذا من باب التعبد، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم،
فقال: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي
لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ،
وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ؛ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي
فَلَيْسَ مِنِّي» ([2]).
فلا
يشدد الإنسان على نفسه، بل يكون معتدلاً؛ لأن التشديد يقطعه عن العمل، فكم من
متشدد ترك العمل، كم من متشدد انحرف وزاغ عن الطريق!
فالتشدد شَرٌّ، التشدد في العبادة والزيادة عن الحد المشروع هذا شر، والاعتدال هو الخير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ؛ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلا تُبَغِّضْ إِلَى نَفْسِكَ عِبَادَةَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لاَ أَرْضًا قَطَعَ، وَلا ظَهْرًا أَبْقَى» ([3])، مثلاً المسافر معه راحلة، فإذا شدد عليها في السير فإنها تنقطع ويبقى في الطريق: لا أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى،
([1])أخرجه: مسلم رقم (1401).