وَخلطتُهُم فِي الخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ عُزْلَتِهِمْ
فِيهِ، وَعُزْلَتُهُمْ فِي الشَّـرِّ أَفْضَلُ مِنْ خلْطَتِهِمْ فِيهِ.
فَإِنْ
عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا خَالَطَهُمْ أَزَالَهُ وَقَلَّلَهُ، فَخُلْطَتُهُمْ خَيْرٌ
مِن اعْتِزَالِهِمْ، وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَهْلُ التَّعَبُّدِ المُطْلَقِ،
وَالأَصْنَافُ الَّتِي قَبْلَهُمْ أَهْلُ التَّعَبُّدِ المُقَيَّدِ، فَمَتَى
خَرَجَ أَحَدُهُمْ عَنِ الفَرْعِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ مِنَ العِبَادَةِ
وَفَارَقَهُ يَرَى نَفْسَهُ كَأَنَّهُ قَدْ نَقَصَ وَنَزَلَ عَنْ عِبَادَتِهِ
فَهُوَ يَعْبُدُ اللهَ - تَعَالَى - عَلَى وَجْهٍ وَاحدٍ.
وَصَاحِبُ
التَّعَبُّدِ المُطْلَقِ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي تَعَبُّدٍ بِعَيْنِهِ يُؤْثِرُهُ
عَلَى غَيْرِهِ بَلْ غَرَضُهُ تَتَبُّعُ مَرْضَاةِ الله - تعالى - إِنْ رَأَيْتَ
العُلَمَاءَ رَأَيْتَهُ مَعَهُمْ، وَكَذلِكَ مَعَ الذَّاكِرِينَ،
وَالمُتَصَدِّقِينَ، وَأَرْبَابِ الجَمْعِيَّةِ، وَعُكُوفِ القَلْبِ عَلَى اللهِ،
فَهَذَا هُوَ الغِذَاءُ الجَامِعُ لِلسَّائِرِ إِلَى اللهِ فِي كُلِّ طَرِيقٍ،
والوَافِدُ عَلَيْهِ مَعَ كُلِّ فَرِيقٍ.
****
الشرح
قوله
رحمه الله:
«وَخلطتُهُم فِي الخَيْرِ أَفْضَلُ مِنْ
عُزْلَتِهِمْ فِيهِ»، قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه: «إذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا
فاجتنب إساءتهم» ([1]).
قوله رحمه الله: «وَصَاحِبُ التَّعَبُّدِ المُطْلَقِ لَيْسَ لَهُ غَرَضٌ فِي تَعَبُّدٍ بِعَيْنِهِ يُؤْثِرُهُ عَلَى غَيْرِهِ...» قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119] فأنت يجب أن تكون مع الصادقين، مع أهل العلم، مع أهل العبادة، مع أهل الجهاد في سبيل الله، مع المتصدقين، والمنفقين، تساهم في كل سبيل من سبل الخير ما استطعت، لا تقتصر على نوع واحد.
([1])أخرجه: البخاري رقم (695).