الصِّنْفُ الثَّالِثُ: رَأَوْا أَنَّ أَفْضَلَ
العِبَادَاتِ مَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ مُتَعَدٍّ، فَرَأَوْهُ أَفْضَلَ مِنَ
النَّفْعِ القَاصِرِ، فَرَأَوْا خِدْمَةَ الفُقَرَاءِ، وَالاشْتِغَالَ بِمَصالِحِ
النَّاسِ، وَقَضَاءَ حَوَائِجِهِمْ وَمُسَاعَدَتَهُمْ بِالجَاهِ وَالمَالِ
وَالنَّفعِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «الخَلْقُ عِيَالُ اللهِ،
وَأَحَبُّهُمْ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ» ([1]).
قَالُوا:
وَعَمَلُ العَابِدِ قَاصِرٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَمَلُ النَّفَّاعِ مُتَعَدٍّ إِلَى
الغَيْرِ، فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الآخَرِ ؟ وَلِهَذَا كَانَ فَضْلُ العَالِمِ
العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ ([2]).
****
الشرح
قوله رحمه الله: «الصِّنْفُ الثَّالِثُ: رَأَوْا أَنَّ أَفْضَلَ العِبَادَاتِ مَا كَانَ فِيهِ نَفْعٌ مُتَعَدٍّ، فَرَأَوْهُ أَفْضَلَ مِنَ النَّفْعِ القَاصِرِ» هذا له وجه؛ فأفضل العبادات هو ما كان يتعدى نفعه، أفضل من العبادة التي فضلها قاصر على العبد فقط، على الفاعل فقط؛ لأن الذي يتعدى نفعه ينفع نفسه وينفع غيره، وأما الذي ينفع نفسه فقط ولا ينفع غيره فهذا نفعه قاصر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ»، فالعابد مثل الكوكب؛ يضيء لنفسه فقط، ولا يضيء للناس والمسافرين، أما القمر فإنه يضيء لنفسه ويضيء للناس؛ فهو أنفع، كذلك العالم: ينفع نفسه وينفع الناس، والعابد إنما ينفع نفسه فقط، فالعمل الذي فيه نفع متعد أفضل من العمل القاصر على صاحبه.
([1])أخرجه: الطبراني في الكبير رقم (10033)، وأبو يعلى رقم (3315)، والبزار رقم (6947).