قالوا: ولا أنت يا رسول
الله؟ قال: «لا، وَلاَ أَنَا، إِلاَّ أَنْ
يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ» ([1]).
ويستدلون
بقوله تعالى: {ٱدۡخُلُواْ
ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ}
[النحل: 32] «بما» قالوا: الباء هنا
باء العوض والثمنية، فهم استحقوا دخولها على الله، وليس له تفضل في ذلك، وإنما
العبد استحقها بفعله هو! وهذا يناقض قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ
بِعَمَلِهِ»، فكيف نجمع بين الباءين؟
قالوا:
السياق مختلف، والباء في كل سياق غير الباء في السياق الآخر؛ فالباء في قوله
تعالى: {ٱدۡخُلُواْ
ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ}
سببية؛ أي: ادخلوا الجنة بسبب ما كنتم تعملون، والباء في قوله صلى الله عليه وسلم:
«لاَ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ
بِعَمَلِهِ»: العِوَض والثَّمَنِيَّة؛ فليست الجنة ثمنًا لعمل الإنسان، وإنما
عمل الإنسان سبب في دخولها، وإلا فعمل الإنسان قليل بالنسبة للجنة ونعيم الجنة،
الله تفضل عليه بذلك، ولو حوسب الإنسان على نعم الله عليه التي لا يعلمها إلا الله
ظاهرة وباطنة، ما بقي له عمل واستحقها الحساب، فقد استغرقها حساب النعمة، ولكن
الله يدخل العبد الجنة بفضله، والعمل إنما هو سبب فقط، والله عز وجل يضاعف الحسنة
إلى عشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة؛ منًّا منه وفضلاً. فهذا الفرق
بين قول الجبرية وقول القدرية، وهذا هو جواب أهل السنة والجماعة عن شبهات القدرية.
قوله رحمه الله: «فَعِنْدَهُمْ أَنَّ العِبَادَاتِ شُرِعَتْ أَثْمَانًا» أهل السنة يقولون: إن العبادات شرعت أسبابًا لا أثمانًا.
([1])أخرجه: البخاري رقم (5673)، ومسلم رقم (2816).