الصِّنْفُ الثَّالِثُ: الَّذِينَ
زَعَمُوا أَنَّ فَائِدَةَ العِبَادَةِ رِيَاضَةُ النُّفُوسِ وَاسْتِعْدَادُهَا
لِفَيْضِ العُلُومِ والمَعَارِفِ عَلَيْهَا، وَخُرُوجُ قُوَاهَا مِنْ قُوَى
النَّفْسِ السَّبُعِيَّةِ وَالبَهِيمِيَّةِ، فَلَو عُطِّلَتِ العِبَادَةُ
لاَلْتَحَقَتْ بِنُفُوسِ السِّبَاعِ وَالبَهَائِمِ، فَالعِبَادَةُ تُخْرِجُهَا
إِلَى مُشَابَهَةِ العُقُولِ، فَتَصِيرُ قَابِلَةً لاِنْتِقَاشِ صُوَرِ
المَعَارِفِ فِيهَا.
****
الشرح
ما
زال الشيخ رحمه الله يبين أنواع الناس في العبادة، وقد ذكر أنهم أربعة أصناف:
الصنف
الأول:
الذين يقولون: «إن العبادة لا حكمة لها،
ولا فائدة فيها، وإنما تفعل لمجرد أن الله أمر بها وشاءها؛ فالله له أن يأمر
بالتوحيد والطاعة، وله أن يأمر بالشرك والكفر، والعصيان؛ لأنه يفعل ما يشاء»،
هكذا يقولون، فله الإرادة، وله المشيئة، ولا حكمة في العبادة، وإنما نفعلها لمجرد
الأمر، وليس لنا اختيار؛ بل نحن مجبرون عليها، وهذا قول الجبرية وهم أضل خلق الله
والعياذ بالله، قول الجهمية الجبرية.
الصنف الثاني: من يقول: «ليس لله إرادة ولا مشيئة في أفعالنا وعباداتنا، بل نحن نفعلها بإرادتنا ومشيئتنا استقلالاً، ولم يقدرها الله، ولم يشأها ولم يخلقها، وإنما نحن نفعلها باختيارنا من غير أن يكون لله عز وجل إرادة ولا تقدير فيها»، وهذا قول القدرية من المعتزلة ومن وافقهم من نفاة القدر، وهذا ضلال واضح والعياذ بالله.