×
التعليق المختصر على العقيدة النونية الجزء الأول

 ويَعرِضُوها عليه؛ ليقرأها هو بنفسه، وهذا إنصافٌ لهم ولا أحدٌ يدْرِي عن الكتابة «كتابة سِرِّيَّة».

فلما أبَوْا أن يكتُبوا ما عندهم دعاهُم إلى المُباهَلَةِ بينه وبينهم بأنْ يقِفُوا عند الكعبة، وأن يدعو باليأسِ واللَّعنة على الكاذبِ كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم لما جاءَهُ نصارَى نَجران، وحصَلَ بينهم وبين رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مُحاورة، فقال: ﴿فَقُلۡ تَعَالَوۡاْ نَدۡعُ أَبۡنَآءَنَا وَأَبۡنَآءَكُمۡ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَٰذِبِينَ  [آل عمران: 61].

فأبَى النَّصارَى أن يُباهِلُوا؛ لأنَّهُم يعلمون أنّه على الحقِّ، وأنَّهُم على الباطلِ، وأنَّهُم لو دَعَوْا على أنفسِهم بهذه الدَّعوةِ لنَزَلَتْ بهم، فصَالَحُوا النَّبيّ صلى الله عليه وسلم مُصالحةً على أن يدفعوا لهم الجِزْيَة.

ثم ضربَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ الأمثالَ لأهل الحقِّ وخُصومهم.

والأمثال: جمع مَثَل: وهو أن يُصوَّرَ الغائِبُ بشيءٍ حاضِرٍ، بأن يُقرَّبَ الشيءُ الغائبُ بشيءٍ حاضر يراهُ النَّاس. هذا هو المثلُ. والقرآن فيه أمثالٌ كثيرة، والله جل وعلا يَسُوقُها؛ ليتَمَيَّزَ الحقُّ من الباطل: ﴿وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ [العنكبوت: 43]، وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ [البقرة: 26] فالله يذكُرُ الأمثالَ، ويُصوِّرُ الأشياءَ الغائبة بأشياءٍ مشاهدة حتى يتَّضِحَ الحقُّ. ومِن هذه الأمثال: قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا رَّجُلٗا فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَٰكِسُونَ وَرَجُلٗا سَلَمٗا لِّرَجُلٍ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ [الزمر: 29] هذا مثلٌ ضربهُ الله للموحِّد والمُشرِك، فالموحِّدُ له سيِّدٌ واحِدٌ فقط يقومُ بطاعته، ويعرِف ما يُرضِيهِ؛ فهو في راحةٍ معه.

أمَّا المُشرِك فهو مثلُ العبدِ الذي يملِكُه عدَّةُ أسيادٍ لا يَدْرِي مَنْ يُرْضِي


الشرح