وأتى إلى الكفرِ العظيمِ فصَاغَهُ **** عِجْلاً ليفتِنَ
أُمَّةَ الثِّيرانِ
****
ولا يلزمُ من
هذا أنَّ الفيلَ يُشبِهُ البعوضة، وإن كان كلٌّ منهما موجودًا، وكلٌّ منهما له
صفات، فإذا كان هذا التفاوتُ في المخلوقات فكيف التفاوت بين الخالق والمخلوقين؟
والجهمُ قال هذا من أجل أن يَغُرَّ النَّاس، قال: أنا ما
قصدي مِن هذا إلا تنزيه الرَّبِّ، فالأغرار من النَّاس فَرِحوا بهذا التَّنزيهِ، ووافقوهُ
عليه، مع أنه يريدُ التَّعْطيل قبَّحَهُ الله! لكن اتَّخذ هذه الحُجَّة من أجل أن
يُغرِّرَ بالنَّاس الذين لم يعرفوا مَقصُوده.
يعني فَعَلَ مِثل فِعْل السامري في بني إسرائيل حين جمع المصاغات التي كانت مع بني إسرائيل، والتي استعاروها من آل فرعون، فلما غرِق آل فرعون في البحر، تضايق بنو إسرائيل من هذه المصاغات ماذا يفعلون بها، فجاءهم السامري، فجمعها، وصوَّرها على صورة عِجل، وجعلَه مُجوّفًا، فجعل الهواء يدخل من جانب، ويخرج من جانب؛ فيصير له صوت، فقال لهم: ﴿هَٰذَآ إِلَٰهُكُمۡ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ﴾ [طه: 88] أي: نسي موسى ربه، فذهب بظنّ ربه غير هذا، ففتنوا به، وعبدوه - والعياذ بالله - على أنّه ربهم قال: «هذا إلهكم وإله موسى فنسي» قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَرَوۡنَ أَلَّا يَرۡجِعُ إِلَيۡهِمۡ قَوۡلٗا وَلَا يَمۡلِكُ لَهُمۡ ضَرّٗا وَلَا نَفۡعٗا﴾ [طه: 89] فالذي لا يتكلم، ولا ينفع، ولا يضر، لا يكون إلهًا لكن فَتَنَهم هذا الخبيث، كذلك الجهمُ صاغ هذه المقالات الكُفريَّة في قالب التنزيه لله عز وجل؛ فصدَّقه أتباعُه، فنفَوا عن الله الأسماءَ